للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى قوله «مدبرا» ما فى كأنّ من معنى الفعل، وهذا-أعنى نصب حال المضاف إليه بالعامل فى المضاف-إنما يجوز إذا كان المضاف ملتبسا بالمضاف إليه، كالتباس الحوامى بما هى له، ولا يجوز فى قولك: ضربت غلام هند جالسة، أن تنصب «جالسة» بضربت، لأن الغلام غير ملتبس بهند، كالتباس الحوامى بصاحبها، ولا يجوز عندى أن تنصب «جالسة» بما تقدّره من معنى اللام فى المضاف إليه، فكأنك قلت: ضربت غلاما كائنا لهند جالسة، لأن ذلك يوجب أن يكون الغلام لهند فى حال جلوسها خاصّة، وهذا مستحيل، فكذلك قوله: «كأنّ حواميه مدبرا» إن قدّرت/فيه: حوامى ثابتة له مدبرا، وجب أن يكون الحوامى له فى حال إدباره، دون حال إقباله، وهذا يوضّح لك فساد إعمالك فى هذه الحال معنى الجارّ المقدّر فى المضاف إليه، فلا يجوز إذا: ضربت غلام هند جالسة لذلك (١)، ولعدم التباس المضاف بالمضاف إليه.

ونظير ما ذكرناه: من جواز مجىء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف ملتبسا به، قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ} (٢) أخبر بخاضعين عن المضاف إليه، ولو أخبر عن المضاف لقال: خاضعة، أو خضّعا أو خواضع، وإنما حسن ذلك، لأن خضوع أصحاب الأعناق بخضوع أعناقهم (٣)، وقد قيل فيه غير هذا، وذلك ما جاء فى التفسير، من أنّ المراد بأعناقهم كبراؤهم، وقال أهل اللغة:

أعناقهم: جماعاتهم، كقولك: جاءنى عنق (٤) من الناس: أى جماعة، فالخبر فى هذين القولين عن الأعناق.

وقال أبو علىّ فى «مخضّب» من قول الأعشى (٥):


(١) فى هـ‍: «كذلك». وما فى الأصل مثله فى الخزانة.
(٢) الآية الرابعة من سورة الشعراء.
(٣) وهذا اختيار الفرّاء. راجع معانى القرآن ٢/ ٢٧٧، وانظر مجاز القرآن ٢/ ٨٣، والكامل ١/ ١٤١.
(٤) بضم العين والنون.
(٥) ديوانه ص ١١٥. وكلام أبى علىّ فى التكملة ص ١٣٤، وانظر أيضا مجالس ثعلب-