للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه جملة الأقوال فى رفع «دهر» ونصبه، وإن رفعته بالابتداء وأضمرت له خبرا مدلولا عليه بأوّل الكلام، فليس بضعيف وإن كان نكرة، لأنه (١) متخصّص بالصّفة، والتقدير: ودهر أهل لأن أمسيت من أهله فاخر بك.

وأما قول/أبى الفتح إنه ليس قبله مرفوع يجوز عطفه عليه، فقول من لم ينعم النّظر، وقنع بأوّل لمحة، فقد يجوز عطف «دهر» على فاعل (٢) كفى، وهو المصدر المقدّر، لأن «أنّ» مع خبرها هاهنا بمعنى الكون، لتعلّق «منهم» باسم الفاعل المقدّر الذى هو كائن، فالتقدير: كفى ثعلا فخرا كونك منهم، ودهر مستحقّ لأن أمسيت من أهله، أى وكفاهم فخرا دهر أنت فيه، فأراد أنهم فخروا بكونه منهم، وفخروا بزمانه لنضارة أيامه، كما قال أبو تمام (٣):

كأنّ أيّامهم من حسنها جمع

والعادة جارية فى الكلام والشّعر بمدح زمان الممدوح، وذمّ زمان المذموم.

وعطف «دهر» وهو اسم حدث على الكون المقدّر، وهو اسم حدث، ودهر موصوف بصفة فيها ضمير عائد على اسم إنّ، وهو التاء من «أمسيت» فهذا وجه فى الرفع، صحيح المعنى، ليس فيه تقدير محذوف، والأوجه المذكورة عمّن عزوتها إليهم ليس فيها وجه خال من حذف، إلا الوجه الذى ذهب إليه الرّبعىّ فى النّصب، وهو قول لا تصحبه فائدة، فأبو الفتح والرّبعىّ قدّرا فعلا لرفع «دهر» والمعرّى قدّر مبتدأ لرفع «أهل» وقدّر المعرّىّ أيضا لنصب دهر ما حكيت لك لفظه الشاقّ.


(١) فى المغنى ص ١١٤ - عن ابن الشجرى-: لأنه قد وصف بأهل.
(٢) نسب الواحدىّ فى شرحه لديوان المتنبى ص ٧٢، هذا الوجه إلى ابن فورجة، ولم أجده فى الموضع الذى ذكرته من كتاب ابن فورجة: الفتح على أبى الفتح. على حين ينسبه ابن هشام إلى ابن الشجرى. راجع الموضع السابق من المغنى.
(٣) ديوانه ٤/ ٩١، وديوان المعانى ٢/ ١٧٧، وصدر البيت: ويضحك الدهر منهم عن غطارفة