للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أراد: ياليل، فحذف حرف النداء، وحذفه إذا صحّ أن يكون المنادى صفة لأىّ، قليل، لشذوذه عن القياس (١).

ويروى: «يقولون نوّر صبح».

ومن وصف الليل بالقصر، لما نال واصفه فيه من السرور، وأحسن ما شاء، قول الشريف أبى الحسن الرّضىّ، رضى الله عنه وأرضاه، وإن كان متأخّرا، فإنّما نسج المتأخّرون على منوال المتقدّمين:

يا ليلة كاد من تقاصرها ... يعثر فيها العشاء بالسّحر (٢)

ومن ذلك نداء أمير المؤمنين علىّ عليه السلام للدّنيا وخطابه لها، فيما ذكره لمعاوية ضرار بن ضمرة النّهشلىّ، وقد سأله عنه فقال فيما وصفه (٣) به:

أشهد لقد رأيته وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، ماثلا فى محرابه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السّليم، ويبكى بكاء الحزين، ويقول: «يا دنيا ألى تعرّضت، لا حان حينك، قد بتتّك ثلاثا لا رجعة لى فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك يسير».

وقد جاء النداء تحذيرا، كقوله تعالى: {يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ} (٤) وجاء استغاثة، كقول عمر رضى الله عنه (٥)، لمّا طعنه العلج: «يا لله وللمسلمين».

وقال أبو العباس المبرد (٦): من قال: يا بؤسا لزيد، جعل النّداء بمعنى الدعاء على


(١) هذا رأى البصريين، كما فى التصريح، وانظر هذا المبحث فى المقتضب ٤/ ٢٥٨، وحواشيه.
(٢) ديوانه ١/ ٥١٨، وروايته: «من تقاربها». وأنشده ابن الشجرى فى حماسته ص ٧٣٨.
(٣) شرح نهج البلاغة ١٨/ ٢٢٥، وجاء فى متن النهج «ضرار بن حمزة» وفى الشرح: «ابن ضمرة». كما ترى فى الأمالى.
(٤) سورة يس ٣٠.
(٥) فى هـ‍: رضوان الله عليه وسلامه.
(٦) لم أجد كلام المبرّد هذا فى كتابيه: الكامل والمقتضب، وإن تكلّم على «يا بؤس للحرب» -