للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسألة]

سئلت عن قول فقيه، ناظر فقيها، فقال فى مناظرته: العشر والخراج مئونة فلا يجتمعان، فأنكر مناظره قوله «مئونة»، وقال: يجب أن يقال: مئونتان.

فأجبت بأن ذلك جائز من وجهين، أحدهما أن العشر والخراج ينزّلان منزلة شيء واحد، لاتّفاقهما فى أنهما من الحقوق السّلطانيّة، فجاز أن يخبر عنهما بخبر مفرد، ونظير ذلك قول حسّان (١):

إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأس‍ ... ود ما لم يعاص كان جنونا

قال: «ما لم يعاص» فأفرد الضمير، وإن كان لاثنين، وذلك لأن كلّ واحد منهما بمنزلة الآخر، فجريا مجرى الواحد، ألا ترى أن شرخ الشباب هو اسوداد الشّعر، ولولا أنهما لاصطحابهما صارا بمنزلة المفرد، كان حقّ الكلام أن يقال:

يعاصيا.

وأشدّ من هذا القول قول القائل (٢) يصف رجلا متعرّبا (٣) فى فلاة:

أخو الذّئب يعوى والغراب ومن يكن ... شريكيه يطمع نفسه شرّ مطمع

جعل الذئب والغراب بمنزلة الواحد، فأعاد إليهما ضميرا مفردا؛ لأنهما (٤) كثيرا


(١) ديوانه ص ٢٣٦، وتخريجه فيه. وزد عليه تأويل مشكل القرآن ص ٢٨٨، وكتاب الشعر ص ٣١٦، وما فى حواشيهما، والمقرب ١/ ٢٣٥، وشرح الجمل ١/ ٢٤٧،٤٥٣.
(٢) القائل امرأة تسمّى «غضوب»، وهى من رهط ربيعة بن مالك أخى حنظلة. نوادر أبى زيد ص ٣٧١، وكتاب الشعر ص ٣١٦، والخصائص ٢/ ٤٢٣، والمحتسب ٢/ ١٨٠.
(٣) فى هـ‍: «معربا». والمتعرّب: المقيم مع الأعراب بالبادية.
(٤) بعض هذا الكلام لابن جنى، راجع الموضع السابق من المحتسب.