للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقول: إن هذه الآية تدفع قول الفرّاء من الوجه الذى ذكره أبو عليّ، وتدفعه أيضا من قبل أن التقدير عنده: يا الله أمّنا بخير، ثم جاء بعد هذا {فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ اِئْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ} فالكلام الآخر ينقض الأوّل، على ما قدّره الفراء.

ودفع أبو عليّ قول الفراء بشىء آخر، وهو أنه قال: لو كان المراد ما قاله، لما حسن: اللهمّ أمّنا بخير، وفى حسنه دليل على أن الميم ليست/مأخوذة من أمّ، إذ لو كانت مأخوذة منه لكان فى الكلام تكرير، ثم قال: والاستدلال بالآية فيه كفاية.

وأقول: إنّ هذا الاسم مخالف للأسماء الأعلام، فى جواز حذف حرف النداء منها، فيجوز: زيد أقبل، كما جاء {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا} (١) ولا يجوز: الله اغفر لى، وإنما لم يجز أن ينادى بغير حرف النداء، لأن أصله: الإلاه، على ما بيّنته لك فيما تقدّم (٢)، فإذا (٣) قلت: الله اغفر لى، فكأنك قلت: الإله اغفر لى.

وإذا ثبت أنه لا يجوز: الله اغفر لى، حتى تقول: يا الله، أو تقول: اللهمّ، علمت أن الميم عوض من حرف النداء. فهذا دليل قاطع بأن الذى ذهب إليه البصريون هو الصحيح.

وممّا لم يستعملوه إلاّ فى النداء إدخال تاء التأنيث على الأب والأم، تقول:

يا أبت لا تفعل، ويا أمّت لا تفعلى، كما جاء فى التنزيل: {يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ} (٤) و {يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ} (٥) ولا يجوز الجمع فيهما بين تاء


(١) سورة يوسف ٢٩.
(٢) فى المجلس السابع والأربعين.
(٣) فى الأصل: وإذا.
(٤) سورة مريم ٤٤.
(٥) السورة نفسها ٤٣.