للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: لا تتعرضوا للفتنة التي يصيب المتعرضين بلاؤها، فعدل عن التعرض الذي هو سبب إلى الإصابة التي هي مسبب. فعلى ذلك يكون الظالمون مخصوصين بالإصابة لأن المعنى: لا يتعرض متعرض للفتنة فتصيبه خاصة، فعدل على ما ذكرناه، فصار لا تصب الفتنة متعرضاً لها خاصة. ثم ذكر المتعرض بلفظ الظالم تشنيعا عليه للصفة التي يكون عليها عند التعرض، فثبت أن المعنى على ذلك خصوص الظالمين بالفتنة.

ويجوز أن تكون (لا) نافية، ودخول النون فيها على وجه ليس بالقوي (١)، فيكون المعنى: واتقوا فتنة غير مصيبة الظالمين خاصة، ولكنها تعم الظالم وغيره، فعلى هذا تكون الإصابة عامة بخلاف الوجه الأول. وقد ذكر الزمخشري (٢) هذا الوجه (٣)، وجعلها للإصابة أيضاً فيه خاصة، وليس بجيد، إذ المعنى: وصفها بأنها لا تصيب الظالمين خاصة، وإذا لم تصبهم خاصة، فكيف يصح وصفها بكونها خاصة؟

وقد قيل: إنه يجوز أن يكون جوابا للأمر (٤) ويكون دخول النون أيضاً في النفي على وجه ليس بالقوي، فقدروه بأن قالوا: واتقوا فتنة إن أصبتموها لا تُصب الظالمين خاصة، ولكنها تعم فتأخذ الظالم وغيره، وهو غير مستقيم، إذ جواب الأمر إنما يقدر فعله من جنس الأمر المظهر، لا من جنس الجواب. ألا


(١) وقد أجازه أبو حيان. البحر المحيط ٤/ ٤٨٣.
(٢) هو محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري. ولد سنة ٤٩٧ هـ. تلقب بجار الله وفخر خوارزم. ما تصانيفه: الكشاف، المفصل، الأنموذج. تفوي سنة ٥٣٨ هـ. انظر بغية الوعاة للسيوطي ٢/ ٢٧٩.
(٣) انظر الكشاف ٢/ ١٥٣.
(٤) وقد أجاز ذلك الزمخشري فقال: "كيف جاز أن تدخل النون المؤكدة في جواب الأمر؟ قلت: لأن فيه معنى النهي". الكشاف ٢/ ١٥٣. وذكر ذلك أيضاً أبو البقاء ولكنه ضعفه، لأن جواب الشرط متردد فلا يليق به التوكيد، إملاء ما من به الرحمن ٢/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>