للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأدخلوها على فعل معناه نفي. قلت: الجملة في "ليس" في المعنى هي الجملة الاسمية والمقصود منها نفي الخبر بها عن المبتدأ، وليست مقصودة في الحقيقة بالإخبار بها وبفاعلها. ألا ترى أنك لو قلت: ليس زيد، لم يكن كلاما. فلو دخلت "قد" على هذه الجملة لوجب أن يتحقق نفس ما هو المقصود بالانتفاء وهو الخبر، فتصير نافيا مثبتا. وأما: قد انتفى الشيء، فليس من ذاك. ألا ترى أن قولك: انتفى الشيء كلام مستقيم، فإذا قلت: قد انتفى، فإنما أردت تحقيق ذلك الفعل الذي معناه نفي، فظهر الفرق بينهما. وأما امنتاع "قد" على "عسى" فلأنها لتقريب الماضي من الحال، و"عسى" لا تكون إلا لتقريب في المستقيل، فكانا متضادين، ولأنها تقرب ما لو لم تدخل عليه لكان معناه محتملا في الزمان القرب والبعد. ولا دلالة لعسى على الزمان، فلا معنى لدخول "قد" عليها، ولأن المقصود الحملة الاسمية، فالخبر في الحقيقة هو خبر المبتدأ، ولا معنى لدخول "قد" إلا تحقيق الخبر؛ فلا دخول له على خبر المبتدأ (١). فإن قلت: فقد استقلت "عسى" مع فاعلها كلاما في قولك: عسى أن يقوم زيد، فمقتضى هذا التعليل أن تدخل "قد". قلت: ليس المقصود أيضا بالخبر ههنا إلا بالجملة الواقعة بعد عسى. وهي وإن كانت في صورة الفعلية فالمعنى فيها على الاسمية، والمعنى فيها كمعنى: عسى زيد أن يقومٍ، سواء. والمقصود: زيد يقوم. فالأصل: عسى زيد يقوم، فلما التزموا دخول "أن" لمعنى اقتضاها قدموا تارة الفعل على الاسم ليصح دخول "أن" عليه، فقالوا: عسى أن يقوم زيد، وبقوها تارة أخرى على نظمها الأصلي، وأدخوا "أن" على الفعل مؤخرا، فقالوا: عسى زيد أن يقوم، فصارحكم: عسى أن يقوم، وعسى أن يقوم زيد، سواء. الثاني: ولو سلم صحة دخول حرف التعويض على هذه


(١) ولا معنى لدخول .... خبر المبتدأ: سقطت هذه العبارة من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>