للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كرماء في قصد المتكلم وهو باطل، وكذلك قوله عليه السلام (١): "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني"، ثم قال: "ألا أخبركم بأبغضكم إلي وأبعدكم مني". فيلزم أن يكون المخاطبون محبوبين مبغوضين مقربين مبعودين، وهو غير جائز. ووجه اللزوم أنه قد أضاف الأحب والأبغض إلى المخاطبين، فيلزم أن يكونوا مشتركين في أصل ما أضيف إليهم من المحبة والبغض. ومن ثم قال في هذا الفصل بعينه في قولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان، إنه على معنى عادلا، لما يلزم من أنهم يكونون مشتركين في العدل ولم يشتركوا عنده، فحمله لذلك على معنى فاعل (٢). وأما تثنيته فلا يلزم منها أن يكون هو الذي حمله على أن يكون بمعنى فاعل لأن تثنية المضاف وجمعه في باب أفعل التفضيل جائز بالاتفاق، كقوله تعالى: {أكابر مجرميها} (٣)، وشبهه (٤). والجواب: أن المضاف إليه في هذه المواضع المعترض بها يجب أن تكون مخصصة بالمشتركين في أصل المعنى الذي دل عليه "افعل" فيكون قوله: بأحبكم، أحب المحبوبين منكم، وكذلك أقربكم وأبغضكم وأبعدكم. وقوله: أكرم الناس وشبهه، على ذلك.

ويجوز أن يقدر مضاف محذوف كأنه قيل: أحب محبوبيكم وأكرم كرماء الناس. ويكون دليل التأويل على أحدهما ما عُلم من لغتهم أنهم لا يطلقون


(١) رواه الترمذي (بر: ٧٠) وأحمد بن حنبل ٤/ ١٩٣ (بيروت). ورواية الترمذي: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون".
(٢) الناقص هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، سمي بذلك لنقصه أرزاق الجند. والأشج عمر بن عبد العزيز بن مروان، سمي بذلك لشجة أصابته بضرب الدابة. انظر حاشية الصبان على شرح الأشموني ٣/ ٤٩ (دار إحياء الكتب العربية).
(٣) الأنعام: ١٢٣.
(٤) هذا إذا كان مضافاً لمعرفة. أما إذا أضيف إلى نكرة فيلزمه الإفراد والتذكير. انظر أوضح المسالك ٣/ ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>