للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه، لا من "إلا" فلم يصح قوله: إن فائدة "إلا" أنها جعلت زيداً خيراً من جميع الممرور بهم. ووجه الإلباس في ذلك أن الصفات والأحوال الواقعة في الاستثناء المفرغ لم تجر على ذوق المستثنيات. وبيان ذلك أنك إذا قلت: ما ضربت إلا زيداً، فقد نفيت الضرب عن كل أحد وأثبته للمذكور بعد "إلا". وفي الصفة والأحوال ليس كذلك. ألا ترى أنك إذا قلت: ما جاءني رجل إلا عالم، لم يستقم أن تقدر نفي جميع الصفات عن رجل وإثبات صفة العلم خاصة، لأن ذلك باطل، فإنه لا ينفك عن صفات سوى العلم، وكذلك في الأحوال. فلما كانت الصفات والأحوال بهذه المثابة توهم أن الذي أفادته "إلا" هو ما ذكره، وليس بصحيح. فإن قيل: فما الذي تفيده "إلا" في الصفات والأحوال مع استحالة نفي الأجناس فيها؟ قلنا: لما استعملت الصفات والأحوال في الاستثناء المفرغ وتعذر من حيث الوجود نفي أجناسها جعل المنفي إما الأنواع المضادة للمذكور بعدها وإما الجنس على سبيل المبالغة، كما قيل في قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما} (١)، إلى آخره، وذلك كثير في الكلام. فبهذا التأويل تستعمل الصفات والأحوال في الاستثناء المفرغ. فعلى هذا لا تكون "إلا" أفادت إلا أحد أمرين: إما نفي جميع الصفات على طريق المبالغة. كأن قائلاً قال: ليس زيد خيراً (٢) ممن مررت بهم، فقلت: ما مررت بأحد إلا زيد خير منهم، وإما نفي ما يضاد كونه خيراً منهم على ما تقدم.

قال: "وقد أوقع الفعل موقع المستثنى في قولهم: نشدتك"، إلى آخره. وقوع الفعل موقع الاسم في مواضع محفوظة. منها: وقوعه بعد


(١) الأنعا: ١٤٥.
(٢) في الأصل وفي ب: خير وهو خطأ من الناسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>