للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "باعتبار معنى" (١)، يعني في الاسم غير الصفة، احتراز من قولك: حسنت وجهاً، فإن الحسن لنفس الوجه لا باعتبار معنى آخر، بخلاف قولك: لله دره فارساً، فإنه لا يحتمل إلا المعنى الثاني. والفرق بينهما: أن كل تمييز عن جملة هو اسم غير صفة باعتبار معنى جاز فيه الوجهان، مثل قولك: عظمت أبا وعما وخالاً. إلا أن يرد ما يمنع فيه تقدير الغير، كقولك: طاب زيد نفساً.

وكل تمييز كان صفة لم يحتمل إلا وجهاً واحداً. وقوله: "امتلأ الإناء ماء". يقال: إن التمييز عن الجمل هو في الحقيقة واقع موقع المنسوب إليه. فإذا قلت: طاب زيد أبا وما أشبهه، الطيب منسوب إلى النفس، فالمعنى: طاب أبو زيد. فينبغي على هذا أن يكون التقدير: امتلأ ماء الإناء، وهو غير معروف، فالجواب: أن أصله أن يقال: ملأت الماء فامتلأ، ثم كثر استعمالهم نسبة الامتلاء إلى الإناء حتى صار كأنه من صفته، فصار ذكر الماء بعده مفارقاً لـ "نفساً" في قولك: طاب زيد نفساً. وفي الحقيقة ما جاء إلا على الأصل المذكور في أن أصله: امتلأ ماء الإناء، كما قيل: إن أصلك طاب زيد نفساً، طابت نفس زيد. ثم قيل: امتلأ الإناء ماء، كما قيل: طاب زيد نفساً. و {فجرنا الأرض عيوناً} (٢): يتوهم أن التفجير من صفة الأرض، وليس هو إلا للماء. يدل عليه قوله: {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} (٣) فالأصل: فجرت عيون الأرض، وفجرنا عيون الأرض، فهو مثل قولك: امتلأ الإناء ماء. إلا أن هذا مفعول وذلك فاعل. ففجرنا الأرض عيوناً، مثل قولك: ملأت الإناء ماء. وامتلأ الإناء ماء، مثل قولك: انفجرت الأرض عيوناً.


(١) لم ترد هذه العبارة في المفصل. ولا أدري من أين جاء بها ابن الحاجب.
(٢) القمر: ١٢.
(٣) البقرة: ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>