للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من التناقض. فلو قيل: لعل الذي يأتيني فله درهم، وجب أن يكون ما دخل عليه خبرا من جهة سببيته ووجب أن يكون إنشاء من جهة كونه خبرا عن "لعل" فيكون محتملا للصدق والكذب باعتبار الاخبار، غير محتمل للصدق باعتبار الانشاء، وذلك متناقض. وعلى ذلك لا يلزم أن تكون "إن" كذلك، إذ ليس فيها إنشاء وخبر، وإنما هو خبر محض فلا منافاة بينه وبين المسببية. والتعليلان واضحان، ولكن لا يصح إثبات الأحكام اللغوية بمجود المعاني المعقولة لأنه يكون إثبات اللغة بالقياس، بل لابد من إثبات ذلك عن العرب. فإن بين سيبويه، ان استقرأ حق الاستقراء حق الاستقراء فلم يوجد مثله صح مذهبه ورجع خصمه محتاجا إلى إثبات ذلك منقولا عن العرب. وإن بين الأخفش مثل ذلك منقولا عن العرب وجب أن يرجع إلى تعليله وصح مذهبه. فمما ذكر محتجا به عن الأخفش قوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} (١)، إلى آخرها. فقد دخلت الفاء. وقوله {إن الذين يكفرون بايات الله} (٢)، إلى قوله: {فبشرهم بعذاب أليم}. فقد دخلت الفاء. ومنها قوله: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} (٣). وذلك ظاهر. وقد يجاب عن الأول والثاني بأن الخبر محذوف وأن الفاء دخلت في جملة ثانية معاقبة لها وذلك غير ممتنع باتفاق. فالخبر محذوف على معنى: معذبون. ثم ذكر قوله: {فبشرهم بعذاب أليم}، و (فلهم) بعد ذلك، لخصوصية أمر المحذوف، لأنه في المعنى مسبب عن الخبر، وقد قوي هذا في الآية الأولى بأنها في قوم مخصوصين، وقد اتفق على أن الخصوصية تبطل معنى الشرط لبطلان التعميم، وكان مفتقرا إلى تأويل إدخال الفاء. وأجيب عن


(١) البروج:١٠.
(٢) ال عمران: ٢١.
(٣) الجمعة: ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>