للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: فما تنكر (١) أن الصفة شرط في صحة هذا المبتدأ، وإن كان التعميم حاصلا فيه نظرا إلى قضية لفظية ليرفى صورة التخصيص ما يشبه به المعرفة لفظا، وإن كان التخصيص حاصلا بغيره، فيكون مثل اشتراط الصفة فيما لم يقصد منه التعميم. ألا ترى أن الصفة تشترط فيما يكون أخص من نكرات موصوفات حتى يحكم بالصحة فيما هو أقل تخصيصا من المحكوم عليه بالفساد لفقدان صورة الصفة التي تكون كالمعرفة في الصورة. والعرب كما تراعي المعاني فكثيرا ما تراعي الألفاظ، وإذا كان ذلك مستقيما فلم عدلت عن اعتباره؟ قلت: هذا إذن كلام مستقيم بالنظر إليه في نفسه، ولا شك أنا لو لم نجد هذا الباب إلا موصوفا لم نعدل إلى التجويز فيه من غير صفة لاحتمال أن تكون الصفة معتبرة لأمر لفظي كما مثلته في مسألة النكرة التي لم يقصد فيها قصد التعميم، ولكنا لما رأيناهم يستعملون مثل ذلك من غير صفة علمنا أن الصفة ملغاة في هذا الباب. ألا ترى إلى قوله: {فأولى لهم طاعة} (٢). وقولهم: فرق خير من حب (٣)، وما نقل من قولهم: تمرة خير من جرادة، وأشباهه. فلما علم ذلك علم أن الصفة في مثل ذلك إنما جاءت لما وراء ذلك، مثلها في قولك: الرجل العالم خير من الجاهل. ألا ترى أن أحدا لا يعتبر هذه الصفة مصححة لما ثبت من جواز "الرجل" مبتدأ مجردا عن الصفة في مثل قولك: الرجل خير من المرأة. ولا يشترط صحة وقوع مثل ذلك مجردا عن الصفة باعتبار خصوصية ذلك الخبر. فإنه قد يكون ذلك ممتنعا باعتبار انتفاء الصدق أو باعتبار انتفاء الاستقامة أصلا. فقد وضح لك من هذه الأبحاث أن


(١) في ب: ينكر.
(٢) محمد: ٢١،٢٠
(٣) أول من قال ذلك الحجاج للغضبان بن القبعثرى الشيباني. ومعناه: لأن يفرق منك فرقا خير من أن تحب. انظر مجمع الأمثال ٢/ ٧٦، والرواية فيه: فرقا خير من حب، أو انفع من حب. ورواه سيبويه: أو فرقا خيرا من حب. الكتاب ١/ ٢٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>