للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قول من قال: إنها بنيت لأنها من أسماء الإشارة (١)، أسماء الإشارة كلها مبني لشبهها بالحرف من حيث احتياجها إلى ما ينضم إليها من قرينة الإشارة، فإنك، إذا قلت: هذا، كان مفتقرا في دلا لته على مدلوله إلى قرينة الإشارة، والإشارة معنى لا يجوز أن ينطق باسم الإشارة منفكا عنه، كما أن الحرف لا يجوز أن ينطق به منفكا عن متعلقه، فلما أشبه الحرف بني، فقول لا يبعد عن الصواب وهو قول أبي إسحق (٢). ولكنه يستضعف من حيث إن أسماء الإشارة تدخل عليها هاء التنبيه وكاف الخطاب، فيقال: هذا وذاك وذاكما وذاكم وذاكن، وكذلك البواقي، ولا يجري ذلك في "الآن". ويجاب عن ذلك بأن من أسماء الإشارة "ثم" وهو للمكان الحاضر المشار إليه، ومع ذلك لا يدخله ذلك. وإذا ثبت أن "ثم" اسما من أسماء الإشارة لا يدخله ذلك لم يلزم ذلك في "الآن". فإن أورد أن "ثم" نادر فلا يحمل، أجيب بأن تقدير لام أخرى فيه للبناء كـ "أمس" نادر فلا يحمل على النادر. وأما "الذي" وأخواتها فمعارف موصولة مبنية لا فتقارها إلى ما يكملها من صلتها جزءا كافتقار الحرف إلى متعلقه، فوجب بناؤها لذلك (٣). والألف واللام في "الذي" ليست للتعريف لما تقدم من أنها زائدة لبناء صيغة الكلمة في "الآن" ولا حاجة تقدير لام أخرى على خلاف القياس مع الاستغناء عن


(١) وهو مذهب البصريين. انظر: الإنصاف مسألة (٧١).
(٢) هو الزجاج. وقد سبقت ترجمته في صفحة ٢٤٣.
(٣) قال أبو البركات الأنباري: "فإن قيل: فلم بنيت أسماء الصلات؟ قيل: لوجهين: أحدهما: أن الصلة لما كانت مع الموصول بمنزلة كلمة واحدة، صارت بمنزلة بعض الكلمة، وبعض الكلمة مبني. والوجه والوحه الثاني: أن هذه الأسماء لما كانت لا تفيد إلا مع كلمتين فصاعدا أشبهت الحروف، لأنها لا تفيد إلا مع كلمتين فصاعدا". أسرار العربية ص ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>