للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حدثني بعض أهل القيروان قال: بعث أبو عبد الله المعلم إلى سعيد بن الحداد -وقد وصف بالبراعة في الفنون- فأدناه ومشى معه في بعض البساتين، فنزع أبو عبد الله بآية من القرآن فقال: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون}، فقال ابن الحداد: {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال}.

وله مع أبي عبد الله وأبي العباس مسائل برَّز بها، وظهرت حجته فيها، ثم أملاها سعيد على أصحابه، وسماها المجالس.

وكان العراقيون يوجهون إليه من تلاميذهم من يعنِّته ويسأله. فحدثني بعض أهل القيروان قال: أتوْه يومًا فألفوْه في الحمام، فتلقَّوْه وهو خارج عنه، فقالوا له: أعزَّك الله! كيف وجدتَ الحمام؟ فقال: غايةً في الطيب. فقالوا: أمِن جهة الذوق وجدتَ طِيبَهُ أصلحك الله! فقال لهم: يا حُثالة الزنادقة، وإخوان المدابير، وتلاميذ الملحدين، أرأيتم قول الله عز وجل: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة} أمِن قِبل الذَّوق وُجِد طيب الريح؟!

وكانت لسعيد بن محمد بالقيروان في أول دخول الشيعة -لعنهم الله- مقامات محمودة، ناضل فيها عن الدين، وذب عن السنن؛ حتى مثَّله أهلُ القيروان في حاله تلك بأحمد بن حنبل أيام المحنة، وذلك أنهم -لعنهم الله- لمَّا ملكوا البلد أظهروا تبديل الشرائع، وإحالة السنن، وبَدَروا إلى رجلين كبيرين من أصحاب سُحنون فقتلوهما، وعرَّوْا أجسادَهما، ثم نودي عليهما: هذا جزاء مَنْ ذهب مذهبَ مالك. فارتاع جُملة أهل السنة، وتجمَّعوا إلى سعيد، فسألوه التَّقيَّةَ -وكان أبو عبد الله المعلم يبعث إليهم للمناظرة،

<<  <   >  >>