للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البَغدادِيِّ في كتاب "الكِفاية في عِلم الرِّوايَة" (ص ٤٢١)، قال: "قال أكثرُ أهل العِلم: يجبُ أن يُحمَل قولُ الصَّحابِيِّ: "أُمِرنا بكذا" على أنَّه أمر الله ورسُولِهِ. وقال فريقٌ منهم يجبُ الوَقفُ في ذلك؛ لأنه لا يُؤمَن أنْ يَعني بذلك أمرَ الأئمَّة والعُلماء، كما أنَّه يَعنِي بذلك أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. والقَولُ الأوَّل أولَى بالصواب". "والدَّليلُ عليه: أنَّ الصَّحابِيَّ إذا قال: "أُمِرنا بكذا" فإنَّما يَقصِدُ الاحتِجاج لإثبات شرعٍ وتَحليلٍ وتحريمٍ وحُكمٍ يجبُ كونُهُ مَشرُوعًا".

* "وقد ثَبَتَ أنَّه لا يَجِبُ بأمر الأئمَّة والعُلَماءِ تحليلٌ ولا تَحريمٌ إذا لَم يكُن أمرًا عن الله ورسولِهِ. وثَبَتَ أنَّ التَّقليد لهم غيرُ صحيح. وإذا كان كذلك، لم يَجُز أن يقول الصَّحابِيُّ: "أُمِرنا بكذا" أو "نُهينا عن كذا", ليُخبِرَنَا بإثبات شرعٍ، ولُزوم حُكمٍ في الدِّين، وهُو يُريدُ أمرَ غيرِ الرَّسُول ومَن لا يَجِبُ طاعتُهُ ولا يَثبُتُ شرعٌ بقولِهِ، وأنَّه متى أراد مَن هذه حالُهُ وَجَبَ تقييدُهُ له بما يدلُّ على أنَّه لم يُرِد أمرَ مَن يَثبُتُ بأمرِهِ شرعٌ. وهذه الدِّلالَةُ بعَينِها تُوجِبُ حَملَ قوِلِه: "من السُّنَّة كذا" على أنَّها سُنَّة الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- ".

* فهذا مِن قوِلهِم في قول الصَّحابِيِّ "أُمِرنا بكذا" أو "نُهِينا عن كذا"، بصيغَة المَبنِيِّ لما لَم يُسَمَّ فاعلُهُ. فأولَى ثُمَّ أولَى إذا صرَّح بالتَّحليل أو التَّحريم، كقول عبد الله بن عمرٍو هنا، في الرِّواية المَوقُوفة: "لا تَحِلُّ الصَّدَقةُ. . . الخ". فهو حين يُحاوِرُ زُهيرَ بنَ الأصبَغ في الصَّدقة، وَيحتجُّ عليه ويَحُجُّه، بأنَّ الصَّدقةَ لا تَحِلُّ لِغنِيٍّ ولا لِذي مِرَّةٍ سَوِيٍّ، إنَّما يَحُجُّه بالسُّنَّة الصَّحيحةِ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، المُبَلِّغِ عن الله التَّحليلَ والتَّحريمَ، لا يَحُجُّه بقولِ نفسِهِ، ولا برأي نفسه، ولا بقولِ أحدٍ ولا برأي أحد دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فهذا الحديثُ إذن حديثٌ صحيحٌ مرفُوعًا أو موقُوفًا، ليست له عِلَّةٌ، وقد أخطأ كُلُّ مَن أَعلَّهُ" انتهَى.

* الفتاوى الحديثية/ ج ٢/ رقم ١٦٤/ ربيع آخر/ ١٤١٩

<<  <  ج: ص:  >  >>