للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وهذا الخبر يدل على أن كتابه "جامع المسانيد" وصل إلى أقصى الشرق في بلاد تبريز وخراسان، حتى يحفظه هذا الشاب الأعجمي أو يحفظ شيئًا منه. في حين أن الحافظ ابن كثير لم يتم تأليف: "جامع المسانيد" كما هو معروف. فكأن العلماء وطلاب العلم كانوا ينسخون ما يخرج منه، ويتداولونه بينهم، حتى يصل من دمشق إلى تلك النواحي النائية.

* ولم يكن ممن يُخدع في الفتاوي التي ظاهرها قَصْد الاستفتاء، ووراءها ألاعيب سياسية، أو أغراض شخصية غير سليمة، وإن كان المستفتي من الأمراء أو ممن يخشي بأسه. فهو يقول في حوادث سنة ٧٦٢: "وجاءتني فتيًا صورتها: ما تقول السادة العلماء في ملك اشترى غلامًا فأحسن إليه وأعطاه وقدّمه. ثم إنه وثب على سيده فقتله وأخذ ماله ومنع ورثته منه؟ وتصرّف في المملكة، وأرسل إلى بعض نواب البلاد ليقدم عليه ليقتله: فهل له الامتناع منه، وهل إذا قاتل دون نفسه وماله حتى يقتل يكون شهيدًا؟ وهل يثاب الساعي في خلاص حقِّ ورثة الملك المقتول من القصاص والمال؟ أفتونا مأجورين"

* فهذا استفتاء صِيغَ في صورة تُوحِي بالجواب. وباطنه أن ذاك الأمير السائل يريد أن يمتنع على الملك الذي دعاه للحضور عنده، ويريد أن يثير فتنةً وقتالًا على صاحب الأمر، لعله يصل إلى ما وصل إليه ذاك من الملك، كعادة الأمراء من المماليك في ذلك العهد. ولكن ابن كثير يجيبه جوابًا حكيمًا يَكشف عن بعض مقصده، ويُضمِّن جوابَه النصيحةَ الواجبةَ في مثل هذه الحال، فيقول: "فقلت للذي جاءني بها من جهة الأمير: إن كان مراده خلاصَ ذمته فيما بينه وبين حقٍّ معين إذا ترتب على ذلك مفسدة راجحة في ذلك، فيؤخر الطلب إلى وقت إمكانه بطريقه! وإن كان مراده بهذا الاستفتاء أن يتقوى بها في جمع الدولة، والأمراء عليه- فلابدّ أن يكتب عليها كبارُ القضاة والمشايخ أولًا، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>