للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد ذلك بقية المفتين بطريقه". "التاريخ" (١٤/ ٢٨١ - ٢٨٢).

* وكان الإفرنج قد غدروا بمدينة الإسكندرية، وأشاعوا فيها الرعب، وارتكبوا الفظائع غدرًا. وذلك: أنهم وصلوا إليها من البحر يوم الأربعاء ٢٢ محرم سنة ٧٦٧ فلم يجدوا بها نائبًا ولا جيشًا, ولا حافظًا للبحر ولا ناصرًا. فدخلوها يوم الجمعة بكرة النهار، بعد ما حرقوا أبوابًا كثيرة منها. وعاثوا في أهلها فسادًا؛ يقتلون الرجال، ويأخذون الأموال، ويأسرون النساء والأطفال، فالحكم لله العلي الكبير المتعال. وأقاموا يوم الجمعة والسبت والأحد والاثنين والثلاثاء. فلما كان صبيحة الأربعاء قدم الشاليش المصري، فأقلعت الفرنج -لعنهم الله- عنها، وقد أسروا خلقًا كثيرًا يقاربون الأربعة آلاف، وأخذوا من الأموال ذهبًا وحريرًا وبُهارًا وغير ذلك، مما لا يُحدّ ولا يُوصف. وقدم السلطان والأمير الكبير يلبغا ظُهر يومئذٍ وقد تفرط الحال وتحولت الغنائم كلها إلى الشوائن بالبحر فسُمع للأساري من العويل والبكاء والشكوى والجأر إلى الله، والاستغاثة به وبالمسلمين- ما قطعَّ الأكباد، وذرفت له العيون وأصمّ الأسماع. فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولما بلغت الأخبار إلى أهل دمشق شقَّ عليهم ذلك جدًا وذكر ذلك الخطيبُ يوم الجمعة على المنبر فتباكى الناس كثيرًا فإنا لله وإنا إليه راجعون.

* فهذه وقعة شنيعة غادرة من الإفرنج -كعادتهم- والنفوس تتقزز من مثلها، وتثور من أجلها. والملوك والأمراء الظالمون ينتهزون فرصة تعبئة الرأي العام للإسلام -وتورثه من أجل هذا الغدر، وغضبًا لهذه الفظائع- ليأكلوا أموال الناس بالباطل وظاهر أمرهم الانتقام وباطنه السلب والنهب.

* ولكن الحافظ ابن كثير يلزم جانب الحق والعدل، ولا يرضى بالظلم، ولو كان ظاهره الانتقام والثأر للمسلمين، فيقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>