للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحيحًا؛ وجبرِيلُ لا يقُولُ هذا؛ لأنَّهُ نزلَ على أُمِّ مُوسى بقوله تعالى: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} [طه: ٣٩]، وهو يعلَمُ أنَّ خَبَر الله لا يتخلَّفُ. ولو سُلِّمَ جَدَلا أنَّ الله أراد قَبُولَ إيمان فِرعَونَ، فلا يستطيعُ جِبريلُ أن يمنَعَهُ بدَسِّ الطِّينِ في فَمِهِ؛ وما كانت وظِيفَتُهُ قطُ مَنعُ قبُولِ الإيمانِ" انتهَى.

* قلتُ: وقد تدبرتُ اعتراضَهُ، فهذا هُو مأخوذ من اعتراضٍ للفَخر الرَّازِيِّ، إذ أَورَدَ في " تفسيره" (١٧/ ١٦٣) سُؤالا، قال فيه: "هل يَصِحُّ أن جِبريلَ أَخَذَ يملأُ فَمَهُ -يعني: فرعونَ- بالطِّين لئلا يتُوبَ؛ غَضَبًا عليه؟ ثُمَّ أجاب قائلًا: "الأَقرَبُ أنَّهُ لا يَصِحُّ, لأنَّ في تلك الحالَةِ إمَّا أن يُقالَ: التَّكليفُ كان ثَابِتًا، أو ما كان ثَابِتًا. فإن كان ثابتًا لم يَجُزْ على جبريلَ؛ أن يَمنَعَهُ من التَّوبة، بل يجبُ عليه أن يُعِينَهُ على التَّوبة، وعلى كُلِّ طاعةٍ؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: ٢].

* وأيضًا، فلو مَنَعَهُ بما ذَكَرُوهُ لكانت التَّوبَةُ مُمكِنَةً؛ لأنَّ الأخرسَ قد يتُوبُ، بأن يندَمَ بقلبِهِ وَيعزِمَ على تَركِ مُعاوَدَةِ القَبيحِ، وحينئذٍ لا يَبقَى لما فَعَلَهُ جِبريلُ فائدةٌ.

* وأيضًا، لو مَنَعَهُ من التَّوبة لكان قد رَضِي ببقائِهِ على الكُفرِ، والرِّضا بالكُفرِ كُفرٌ. وأيضًا، فكيف يليقُ بالله تعالى أن يقُولَ لمُوسَى وهارُونَ -عليهما السلام-: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٤]، ثُمَّ يأمرُ جبريلَ؛ بأن يمنَعَهُ من الإيمان.

* ولو قِيلَ: إنَّ جبريلَ إنَّمَا فَعلَ ذلك مِن عِندِ نَفسِهِ، لا بأمرِ الله تعالَى، فهذا يُبطلُهُ قولُ جِبريلَ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>