للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو علي: موضع الباء في قوله: (كفى بالشّيب) مع ما بعده رفع، لأن (الشَّيْبَ) هو الفاعل، وكذلك "كفى بالله"، كما أن موضع (مِنْ) في قولك: (ما جاءني من رجلٍ)، وقوله تعالى: "أن يُنزّل عليكم من خير من ربكم" رفع، ومثل هذا في أن الجار مع المجرور رفعٌ قولك: (أكْرِمْ بزيدٍ)، موضع الباء مع زيد رفع (بأكْرِمْ)، ألا ترى أن المعنى إنما هو الإخبار عنه بأنه كَرُمَ، فإن قيل: كيف جاء الفعلُ على بناء الأمر وهو خبرٌ، فالقول فيه عندي [١٧٧/ب] أن فعل الأمر وقع موقع الخبر، كما وقع الفعل المبني للخبر الأمر والدُّعاء في نحو: (لَقِيَ زيدٌ شَرًّا)، (وغَفَرَ اللهُ لزيدٍ)، فكما وقع بناء فعل الخبر موقع الدُّعاء والأمر، كذلك وقع بناء الأمر موقع الخبر في (أكْرِمْ بزيدٍ) وبابه.

ومعنى أكْرِمْ بزيدٍ: (أكْرَمَ زيدٌ) كأنه من باب (أفْعِلْ) الذي هو لغير التعدي والنقل من فعل إلى فعل، نحو (أعْشَبَ الوادي وأخْصَبَ)، (وأهْيَجَ النَّبْتُ)، إذا صارت هذه الأشياء فيه كثرة، فكذلك معنى (أكْرِمْ به)، عندي كأنه (أكْرَمَ زيدٌ) على التأويل الذي ذكرنا.

قال سيبويه: وتقول: رأيْتُه من ذلك الموضع فجعلته غاية رؤيتك .. الفصل.

قال أبو بكر: هذا كلام يخلط معنى (مِنْ) بمعنى (إلى)، وإنما (إلى) للغاية، (ومِنْ) لابتداء الغاية، وحقيقة هذه المسألة، أنك إذا قلت: (رأيت الهلال من مَوْضِعِي)، (فمِنْ) لك، فإذا قلت: (رأيتُ الهلالَ مِنْ خُلَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>