للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان وراء هذا شاعرا عذب المورد، مشرق المعنى، متصرفا مجيدا، كما كان كاتبا بديع الإنشاء حسن الترسل ناصع البيان.

ولد بالمدائن في غرة ذي الحجة سنة ست وثمانن وخمسمائة، ونشأ بها، وتلقى عن شيوخها، ودرس المذاهب الكلامية فيها، ثم مال إلى مذهب الاعتزال منها، وكان الغالب على أهل المدائن التشيع والتطرف والمغالاة، فسار في دربهم، وتقبل مذهبهم، ونظم القصائد المعروفة بالعلويات السبع على طريقتهم، وفيها غالَى وتَشَيَّعَ، وذهب به الإسراف في كثير من أبياتها كل مذهب.

وحينما انقضت أيام صباه، وطوى رداء شبابه، خَفَّ إلى بغداد، حاضرة الخلافة، وكعبة القُصَّاد، وعشّ العلماء، وكانت خزائنها بالكتب معمورة، ومجالسها بالعلم والأدب مأهولة، فقرأ الكتب واستزاد من العلم، وأوغل في البحث، ووعى المسائل، ومحَّص الحقائق، واختلط بالعلماء من أصحاب المذاهب، ثم جنح إلى الاعتزال. وأصبح كما يقول صاحب "نسمة السحر": معتزليا جاحظيا ... في أكثر شرحه للنهج - بعد أن كان شيعيا غاليا.

وفي بغداد أيضًا نال الحظوة عند الخلفاء من العباسيين ومدحهم، وأخذ جوائزهم، ونال عندهم سني المراتب ورفيع المناصب، فكان كاتبا في دار التشريقات، ثم في الديوان، ثم ناظرا للبيمارستان، وأخيرا فوض إليه أمر خزائن الكتب في بغداد ...

وذكر ابن الفوطي في كتاب "مجمع الألقاب" أنه أدرك سقوط بغداد، وأنه كان ممن خلص من القتل في دار الوزير مؤيد الدين العلقمي مع أخيه موفق الدين. كما ذكر أيضًا في كتابه الحوادث الجامعة في وفيات سنة ٦٥٦: "توفي فيها الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي في جمادى الآخرة ببغداد ... والقاضي موفق الدين أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني في جمادى الآخرة، فرثاه أخوه عز الدين عبد الحميد بقوله ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>