للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد]

الحمد لله الذي جعل على رأس كل زمانٍ بقايا من أهل العلم، يَدُلُّونَ مَنْ ضَلَّ إلى الهُدى، ويُبَصِّرُون بنور الله أهلَ العَمى، يَلُمُّون شَعَثَ العِلْم، وَيسُدُّونَ ثَغَراتِه، يُصلحون ما فَسَدَ منه، ويجمعون شَتَاتَهُ.

عَلموا أن الغُرْبَةَ في هذا الفنِّ -أعني عِلْمَ الحديث- مُسْتَحْكِمَةٌ فيه مُنذ نشأته، وبَيْن أهلِه، وفي زمن ازدهاره.

قال أبو حاتم الرازي - كما في تقدمة "الجرح والتعديل" (ص ٣٥٦):

"جرى بيني وبين أبي زرعة يومًا تمييزُ الحديث ومعرفتُه، فجعلَ يَذكرُ أحاديثَ ويذكر عِلَلَها، وكذلك كنتُ أذكر أحاديثَ خطأ، وعِلَلَها، وخطأَ الشيوخ.

فقال لي: يا أبا حاتم، قَلَّ مَنْ يفهمُ هذا، ما أعزَّ هذا، إذا رفعت هذا من واحدٍ واثنين، فما أقلَّ مَنْ تجدُ مَنْ يُحْسِنُ هذا، وربما أشُكُّ في شيء أو يتخالجني شيءٌ في حديثٍ، فإلى أن ألتقيَ معك لا أجدُ من يَشْفِيني منه.

قال أبو حاتم: وكذاك كان أَمْرِي.

فقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: محمد بن مسلم -يعني: ابن وارة-؟ قال: يحفظ أشياءَ عن محُدِّثِين يُؤَدِّيها، ليس معرفتُه للحديث غريزةً". اهـ.

ومحمد بن مسلم بن وارة الرازي حافظٌ ثَبْتٌ، قال ابن أبي حاتم: ثقة صدوق، وجدتُّ أبا زرعة يُجِلُّهُ ويُكْرِمُهُ. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: أحفظُ مَنْ رأيتُ: ابنُ الفرات وابنُ وارة، وأبو زرعة. وقال النسائي: ثقةٌ صاحبُ حديثٍ. وقال الطحاوي: ثلاثةٌ بالرّيّ لم يكن في الأرض مثلُهم في وقتهم: أبو حاتم، وأبو زرعة، وابن وارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>