للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاكتفى النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصحابة بحفظها في الصدور كما تيسر، بأن يحفظ كل واحد ما وقف عليه، ثم يبلغه عند الحاجة، ولم يأمرهم بكتابتها، ولم يكن حفظ معظمها مقصورًا على القُرَّاء، بل كان جماعةٌ ليسوا من القراء عندهم من السنة أكثر مما عند بعض القراء.

فالدلائل والقرائن التي فهم منها الصحابة أن عليهم أن يصنعوا ما صنعوا من جمع القرآن لم يتوفر لهم مثلها ولا ما يقاربها لكي يفهموا منه أن عليهم أن يجمعوا السنة ... وتوقفهم عن الجمع كما تقدم لا يعني عدم العناية بالأحاديث، فقد ثبت بالتواتر تدينهم بها وانقيادهم لها وبحثهم عنها كما تقدم في مواضعه، ولكنهم كانوا يؤمنون بتكفل الله تعالى بحفظها ويكرهون أن يعملوا من قِبَلِهم غيرَ ما وضح لهم أنه مصلحة محضة (١) ويعلمون أنه سيأتي زمان تتوفر فيه دواعي الجمع وتزول الموانع عنه، وقد رأوا بشائر ذلك من انتشار الإسلام وشدة إقبال الناس على تلقي العلم وحفظه والعمل به، وقد أتم الله ذلك كما اقتضته حكمته". اهـ.

وأفاض المعلمي: في بيان هذا المعنى (ص ٤٤ - ٤٥) فقال:

"أعلم أن الله تبارك وتعالى تكفل بحفظ القرآن وبيانه وهو السنة كما مر، وما تكفل الله بحفظه فلا بد أن يُحفظ.

وقد علمنا من دين الله أن على عبادة مع إيمانهم بحفظ ما تكفل بحفظه أن يعملوا ما من شأنه في العادة حفظ ذاك الشيء وأنه لا تنافي بين الأمرين.

وفي "جامع" الترمذي و"المستدرك" وغيرهما عن أبي خزامة عن أبيه قال: "قلت يا رسول الله: أرأيت رقى نسترقي بها ودواء نتداوى به وتُقاة نتقيها هل تَردُّ من قدر الله شيئًا؟ قال: هو من قدر الله" (٢).


(١) راجع (ص ٣٠).
(٢) هذا الحديث رواه الزهري، واختلف عليه، فرواه الأكثر عنه عن أبي خزامة عن أبيه به مرفوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>