للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي هذه الأمثلة لا يَخفى أن الجرحَ أَوْلَى أن يُؤخذَ به.

فالتحقيقُ أن كُلًّا من التعديل والجرح الذي لم يُبَيِّنْ سببُه يَحتملُ وقوعَ الخلل فيه، والذي ينبغي أن يُؤخذ به منها: هو ما كان احتمالُ الخللِ فيه أبعدَ من احتماله في الآخر، وهذا يختلفُ ويتفاوتُ باختلافِ الوقائع.

والناظرُ في زماننا لا يكادُ يتبينُ له الفَصْلُ في ذلك إلا بالاستدلال بصنيع الأئمة؛ كما إذا وجدنا البخاريَّ ومسلما قد احتجا أو أحدُهما براوٍ، سَبَقَ مِمَّنْ قَبلهما فيه جرحٌ غيرُ مُفَسَّرٍ، فإنه يَظهرُ لنا رُجحانُ التعديلِ غالبا، وقِسْ على ذلك، وهذا تفصيلُ ما تقدَّمَ في القاعدة الخامسة عن ابن الصلاح وغيره.

لكن ينبغي النظرُ في كيفية رواية الشيخين عن الرجل؛ فقد يَحْتَجَّانِ أو أحدُهما بالراوي في شيء دون شيء، وقد لا يَحْتَجَّانِ بن وإنما يُخرجان له ما تُوبع عليه، ومن تتبع ذلك، وَأنْعَمَ فيه النظرَ، عَلم أنهما في الغالب لا يُهملان الجرحَ البَتَّةَ، بل يحملانِه على أمرٍ خاصٍّ، أو على لِينٍ في الراوي، لا يَحُطُّهُ عن الصلاحية به فيما ليس مظنةَ الخطأ، أو فيما تُوبع عليه ونحو ذلك، راجع الفصل التّاسع من "مقدمة فتح الباري".

القضية الثانية: أن الجرح إذا كان مفسَّرا فالعملُ عليه، وهذه القضية يُعرف ما فيها بمعرفة دليلها، وهو ما ذكره الخطيب في "الكفاية" ص ١٠٥ قال:

"والعلة في ذلك أن الجارح يُخبر عن أمرٍ باطنٍ قد عَلمه، ويُصَدِّقُ المُعَدِّلَ، ويقول له: قد علمتُ من حاله الظاهرةِ ما علمتَها، وتفردتُّ بعلمٍ لم تعلمْه من اختبار أمره، اخبارُ المعدِّلِ عن العدالة الظاهرة لا ينفي صدقَ قولِ الجارح.

ولأنَّ مَنْ عَمل بقول الجارح لم يَتَّهِمْ المُزَكِّي، ولم يُخْرِجْهُ بذلك عن كونه عدلًا، ومتى لم نَعملْ بقول الجارح كان في ذلك تكذيبٌ له ونقضٌ لعدالته، وقد عُلم أن حاله في الأمانة مخالفةٌ لذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>