للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، والعارفُ المتثبتُ المتحري للحق لا يخفى عليه إن شاء الله تعالى ما حَقُّهُ أن يُعد من هذا الضرب، مما حَقُّهُ أن يُعد من الضرب الآتي، وأن ما كان من هذا الضرب فحقه أن لا يعتد به على المتكلَّم فيه ولا على المتكلِّم. والله الموفق.

الوجه الثاني: ما يَصْدُرُ على وجهِ الحكم، فهذا إنما يُخشى فيه الخطأُ، وأئمةُ الحديثِ عارفون، متبحرون، متيقظون، يَتَحَرَّزُون من الخطأ جهدَهم، لكنهم متفاوتون في ذلك.

ومهما بلغ الحاكمُ من التحري، فإنه لا يبلغُ أن تكون أحكامُه كلُّها مطابقةً لما في نفس الأمر؛ فقد تسمع رجلًا يخبر بخبر، ثم تمضي مدةً، فترى أن الذي سمعتَ منه هو فلان، وأنَّ الخبرَ الذي سمعتَه منه هو كيت وكيت، وأن معناه كذا، وأن ذاك المعنى باطلٌ، وأن المُخبر تعمَّد الإخبار بالباطل، وأنه لم يكن له عذرٌ، وأن مثل ذلك يوجب الجرح.

فمن المحتمل أن يشتبهَ عليك رجلٌ بآخرَ، فترى أن المُخبرَ فلان، وإنما هو غيره، وأن يشتبهَ عليك خبرٌ بآخرَ، إنما سمعتَ من فلانٍ خبرا آخر، فأما هذا الخبرُ فإنما سمعتَه من غيره، وأن تخطيء في فهم المعنى، أو في ظَنِّ أنه باطل، أو أن المُخبر تعمَّد، أو أنه لم يكن له عذرٌ، أو أن مثل ذلك يوجب الجرح، إلى غير ذلك.

وغالبُ الأحكام إنما تُبنى على غلبة الظن، والظن قد يُخطىء، والظنون تتفاوت، فمن الظنون المعتد بها ما له ضابط شرعي؛ كخبرِ الثقة، ومنها ما ضابطُه أن تطمئن إليه نفسُ العارف المتوقي المتثبت، بحيث يجزم بالإخبار بمقتضاه، طَيِّبَ النفسِ، مُنشرحَ الصدر.

فمن الناس من يغتر بالظن الضعيف، فيجزمُ، وهذا هو الذي يطعن أئمة الحديث في حفظه وضبطه، فيقولون: "يحدث على التوهم"، "كثير الوهم"، "كثير الخطأ"، "يهم"، "يخطىء".

<<  <  ج: ص:  >  >>