للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذات ليلة جاءت زيب إلى بيت عائشة - ولم يكن يومئذ مصباح في

البيوت - إذ دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فمد يده إليها، فقالت عائشة (ض): هذه زينب، فكف النبي - صلى الله عليه وسلم - يده فتقاولتا، حتى استخبتا وأقيمت الصلاة، فمر أبو بكر على ذلك فسمع أصواتهما فقال: اخرج يا رسول الله إلى الصلاة، واحث في أفواههن التراب، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت عائشة: الآن يقضي النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته فيجيء أبو بكر فيفعل بي ويفعل، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته أتاها أبو بكر فقال لها قولا شديدا، وقال: أتصنعين هذا (١)؟.

ولا يظنن ظان من هذه القصص أن قلوبهن لم تكن صافية تجاه ضرائرهن وصواحبهن، فكانت العلاقات بينهن على أحسن ما تتسنى العلاقات بين أناس تجمعهم معيشة واحدة، فعائشة وزميلاتها كن يغرن ويتنافسن لا محالة كما تغار النساء في كل مكان، ولكنهن لم ينسين قط أنهن نساء نبي يتأدبن بأدبه، ويتطلعن إلى رضاه، وكل ما روي لنا من غيرة زوجات النبي إن ذكرنا أنهن نساء من طينة الأنوثة الخالدة، فلن ينسينا أنهن نساء نبي يتأدبن بأدبه ولا يجاوزن بالغيرة ما يجمل بهن في كنفه ورعايته، وإن تسع أخوات شقيفات من أب واحد وأم واحدة ليقع بينهن من شحناء الغيرة إذا اجتمعن في بيت أسرتهن أضعاف ما روي لنا من غيرة زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - في عشرتهن الطويلة.

ومما لا مراء فيه أن شرف الصحبة يجعل الإنسان يحتل مكانة عالية مرموقة ودرجة سامية، ولكنه لا يغير من طبيعته وجبلته شيئا، كذلك حال المرأة فإنها بطبيعتها وفطرتها لا ترضى بأن تشاركها واحدة أخرى في حبها، ولا تقبل فيه أية قسمة، لكن حال زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - تختلف عن عامة النساء، فكن يحمن حول حمى المصباح الوحيد - وهو مصباح حب النبي - صلى الله عليه وسلم - - بينما قلوب جميعهن كانت تستضيء من سراج واحد، وتستنير من مصباح واحد، ورغم ذلك كله كن نموذجا رائعا ومثالا نادرا للملاطفة والمداراة والتحابب فيما بين الضرائر، سوى


(١) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الرضاع برقم ١٤٦٢. [الاستخاب: ارتفاع الأصوات].

<<  <   >  >>