للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غرضها من ذلك تقليل الوسائط، والحصول على السند العالي، فمثلا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الركعتين بعد العصر في البيت، والأصل أنه لا تطوع ولا نافلة بعد العصر، فأشكل ذلك على صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسلوا كريبا إلى عائشة (ض) فقالوا: ((اقرأ عليها السلام منا جميعا، وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر، وقل لها: إنا أخبرنا عنك تصلينها، وقد بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها، قال كريب: فدخلت عليها فبلغتها ما أرسلوني، فقلت: سل أم سلمة ... الحديث)) (١).

كذلك في مسألة المسح على الخفين، يقول شريح بن هانيء: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: ((عليك بابن أبي طالب فسله، فإنه كان يسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..)) (٢). وقد أشار الإمام الحازمي (ح) في كتاب ((الاعتبار)) إلى منهج عائشة (ض) هذا.

ولم يقتصر الأمر عندها أنها جنبت مروياتها من الأخطاء والتسامحات، بل وصلت إلى درجة أنه يصل أحيانا إلى سمعها عن بعض العلماء من الصحابة روايات وأحكام على غير وجهها، فتصحح لهم ما أخطؤوا فيه أو تبين ما خفي عليهم، ولها فضل عظيم يعترف به، وجميل لا ينكر على الإسلام، إنها استدركت على أقرانها ومعاصريها في مسائل شتى، ونبهتهم على أخطائهم.

وقد حاول بعض الأئمة في فن الحديث جمع هذه الاستدراكات في رسالة (٣) خاصة، وآخرها رسالة العلامة جلال الدين السيوطي (ح)


(١) صحيح البخاري كتاب الجمعة برقم ١٢٣٣، وصحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها برقم ٨٣٤، وسنن أبي داود كتاب الصلاة برقم ١٢٧٣، وسنن الدارمي كتاب الصلاة برقم ١٤٣٦.
(٢) صحيح مسلم كتاب الطهارة برقم ٢٧٦، وسنن النسائي كتاب الطهارة برقم ١٢٩، وسنن ابن ماجه، كتاب الطهارة برقم ٥٥٢.
(٣) أول من صنف في هذا الموضوع هو أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي البغدادي، المحدث التاجر الرحلة، عاش في القرن الخامس الهجري، ولد سنة ٤١١م ومات سنة ٤٨٩ هـ، تلقى الحديث في دمشق، ومصر، والرحبة، وروى عن =

<<  <   >  >>