للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاجتماعية التي شاهدها العصر سابقا، وإن بقي هذا الاتحاد والتجمع في مكان، فكان في رحاب بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وكان عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة وأم المؤمنين عائشة (ض) هم الأربعة المشهورون الذين تبوؤا مناصب الفقه، ومنابر الإفتاء والدعوة والإرشاد في المدينة المنورة بعد خلوها من كبار الصحابة، علما أن هؤلاء الأربعة تختلف وجهات نظرهم، وتتباين أصولهم ومناهجهم في استنباط الأحكام للوقائع الجديدة التي لم يرد في حكمها نص صريح، فكان منهج عبد الله بن عمر وأبي هريرة (ض) أنهما إذا عرض عليهما حادث بحثا عن حكمه في الكتاب والسنة والأثر، فإن وجداه أفتيا به، وإن لم يجدا سكتا عنه، أما عبد الله بن عباس (ض) فإنه لا يقتصر على البحث في الكتاب والسنة وإنما يقيس الوقائع الجديدة على الأحكام المنصوص عليها، ثم يفتي بما يراه مناسبا من حيث العقل.

[القرآن الكريم]

أما عائشة (ض) فكان منهجها أنها كانت ترجع أولا إلى كتاب الله العزيز، ثم إلى السنة النبوية ثم إلى القياس وإلحاق النظير بالنظير، وقد سبق أن ذكرنا في مبحث ((مكانتها في الحديث)) استدلالها بالآيات القرآنية بشكل تلقائي، فذات مرة سئلت عن متعة النساء فقالت: بيني وبينكم كتاب الله، وقرأت: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (*) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٥ - ٦] (١) والمرأة المتمتع بها ليست بزوجة ولا أمة، فلا تجوز المتعة.

وسألها رجل عما يذبحه العجم لأعيادهم فيهدون منه للمسلمين فقالت: ((ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا منه، وكلوا من أشجارهم)) (٢) وكأنها استنبطت


(١) الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك ٢/ ٣٣٤ برقم ٣٩١٣، والبيهقي في السنن الكبرى ٧/ ٢٠٦ برقم ١٣٩٥.
(٢) ذكره القرطبي في تفسيره ٢/ ٢٢٤، وكذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره ١/ ٢٠٦.

<<  <   >  >>