للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشورى: ٤٥١] ولم تحصل المعتزلة إلى يومنا هذا على دليل أقوى من هذه الآية، وكان ابن عباس (ض) يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تشرف برؤية الباري تعالى في المعراج، وكان يستدل بآيتي سورة النجم: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: ١٣] {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: ١٨] (١) بينما تقول عائشة (ض): إن المقصود في الآية أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رأى جبريل (٢) ولم ير الله تعالى، وهذا ما يتضح لنا بعد التأمل في الآيات التي بعدها وهي: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (*) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم: ٥، ٦].

ونظرا إلى هذه الروايات عن عائشة (ض) يزعم المعتزلة أنها من منكري رؤية الله تعالى، والواقع أنها أنكرت الرؤية في الدنيا فقط وليس في الآخرة، وهو الواضح جليا إذا أنعمنا النظر في ألفاظ الحديث: ((ومن حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب)) فالمقصود من ذلك إنكار رؤية الله في المعراج لا في الآخرة، وبالتالي فلا علاقة لمقالة عائشة (ض) بعقيدة إنكار رؤية الله تعالى البتة.

[علم الغيب]

معلوم من الدين بالضرورة أن الغيب لا يعلمه إلا الله، فهو سبحانه وتعالى يليق بجلالة شأنه ويجدر بعظيم سلطانه أن يكون عنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو، فإنه تعالى عالم الغيب والشهادة قال تعالى: {لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: ٦٥] ويزعم البعض أن الاطلاع على سائر المغيبات من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أنكرت عائشة (ض) على هذه العقيدة بشدة، فكانت تقول: ((ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب)) ثم قرأت: {مَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} (٣) فنفي علم الغيب عن كل واحد يتضمن النفي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك.


(١) انظر: صحيح مسلم كتاب الإيما ن برقم ١٧٦، وسنن الترمذي كتاب التفسير برقم
٣٢٧٩/ ٣٢٨١.
(٢) صحيح البخاري كتاب التفسير برقم ٤٨٥٥، وصحيح مسلم كتاب الإيمان ١٧٧، وسنن الترمذي كتاب التفسير برقم ٣٠٦٨، ٣٢٧٨.
(٣) صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن برقم ٤٨٥٥، والآية من سورة لقمان، الآية: ٣٤.

<<  <   >  >>