للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإننا لو لمسنا في أي رواية جملة واحدة صادرة من في عائشة (ض) لوجدنا أنها تنفخ روحا جديدة في الحديث، ونلاحظ ذلك جليا مثلا في حديث بدء الوحي، حينما تذكر الرؤيا الصادقة، تقول: ((فما رأى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح)) (١) وتعبر عن المشقة التي تصيب النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الوحي، قائلة: ((حتى أنزل عليه الوحي فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات)) (٢)، كما تعبر عن اضطرابها وغياب النوم عن عينيها عندما افترى عليها المفترون حديث الإفك، فتقول: ((وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم)) (٣). والحديث الذي رواه البخاري حول أم زرع كل فقرة من فقراته نموذج رائع ومثالي للتشبيهات العربية، والاستعارات، والبديع والمعاني، وقد اعتنى أهل اللغة والأدب بعدة شروح لصفحة واحدة من هذا الحدث فقط وعلقوا عليه تعليقات وسودوا فيه صفحات (٤).

وسوف نذكر لاحقا في مبحث التعليم أنها كانت توصي تلاميذها بالعناية بالتلاوة الصحيحة للقرآن وحسن تجويده وصحة أدائه، والإقبال عليه دراسة وحفظا.

[الخطابة]

إن الخطابة وقوة البيان من الجواهر الفطرية والطبائع الحرة للعرب، فكانت هذه الملكة والموهبة متوافرة في الرجال والنساء على السواء، ولذلك نجد في تاريخ القرون الأولى من شروق فجر الإسلام، عندما كانت روح العربية حية في قلوب الناس وضمائرهم، كانت هناك خطيبات وأديبات رفيعات المستوى من ذوات المكانة السامية، بلغن القمة في الفصاحة والبيان،


(١) صحيح البخاري كتاب بدء الوحي برقم ٤، وكتاب تفسير القرآن برقم ٤٩٥٤، وكتاب التعبير برقم ٦٩٨٢.
(٢) صحيح البخاري كتاب الشهادات برقم ٢٦٦١.
(٣) نفس المصدر.
(٤) من أهم ما كتب في شرح حديث أم زرع كتاب ((بغية الرائد بما في حديث أم زرع من الفوائد)) للقاضي عياض بن موسى اليحصبي. (الناشر).

<<  <   >  >>