للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد حفلت كتب الأدب والنقد بكثير من الصور والنماذج الأدبية الرفيعة لعدد ليس بالقليل من أولئك النساء في شتى العصور، وها هو أحمد بن أبي طاهر (ت ٢٠٤هـ) قد ألف كتابا جمع فيه نماذج عديدة من بلاغات النساء في صدر الإسلام، وصدر كتابه بخطب عائشة أم المؤمنين (ض)، كما أن الإمام الطبري ذكر خطبها التي ألقتها أمام جموع وحشود من الناس في ساحات القتال عند معركة الجمل، كما نقل ابن عبد ربه خطبة لها في كتابه: ((العقد الفريد)). وهذا الأحنف بن قيس التابعي الجليل البصري (ويعتقد أنه سمع خطبتها في البصرة) يقول: ((سمعت خطبة أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب والخلفاء كلهم هلم طرا إلى يومي هذا، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من في عائشة (ض))) (١).

وأرى أن كلام الأحنف لا يخلو من المبالغة، كما أن التأثيرات الخارجية كذلك لها دخل في هذه الخطبة، لأن هذه خطبة امرأة، وفي ساحة القتال، فلا بد لها من التأثير العميق، وعلى كل فمما لا شك فيه أنها كانت خطيبة مصقعة بلغت الغاية من الفصاحة والبلاغة والبيان.

يقول معاوية (ض): ((والله ما سمعت قط أبلغ من عائشة (ض))) (٢).

وعن موسى بن طلحة قال: ((ما رأيت أحدا أفصح من عائشة (ض))) (٣).

والخطيبة كما أنها تحتاج إلى لسان فصيح ذرب، وبيان أدهى من السحر وأمر من الصبر، كذلك هي في أمس الحاجة إلى صوت قوي يكون موضع التجلة والاحترام وإلى لهجة فخمة تسترعي انتباه السامعين، كانت عائشة (ض) تتمتع بهذه الصفات كلها على أكمل وجه.

روى الإمام الطبري في تاريخه: ((فتكلمت عائشة، وكانت جهورية


(١) مستدرك الحاكم ١٢/ ٤ برقم ٦٧٣٢.
(٢) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٨٣/ ٢.
(٣) سبق تخريجه في الصفحة الماضية.

<<  <   >  >>