للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا وقد اعترفت أمهات المؤمنين لعائشة (ض) بهذه المكانة العالية رغم مشاعر الغيرة، لأن الحب الذي يبدو من فطنة عائشة لأسرار النبي أعمق وأقوى، فما منهن من لصقت بنفسه كما لصقت بها، ومن نفذت إلى معانيه كما نفذت إليها، ومن عاشرته في روحه وطويته، كما عاشرته بروحها وطويتها. ومن شدة حبها له - صلى الله عليه وسلم - أنها لو استيقظت من النوم ولم تجده جنبها يصيبها القلق والاضطراب، تقول: كنت نائمة إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففقدته من الليل - والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح -فلمسته بيدي، فوضعت يدي على قدميه وهو ساجد يقول: ((أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)) (١). كما تحكي لنا قصة أخرى من نفس النوعية فتقول: فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتجسسته فإذا هو راكع أو ساجد يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، فقالت: بأبي أنت وأمي، إني لفي شأن وإنك لفي آخر)) (٢).

[نماذج من غيرة عائشة على ضرائرها]

كذلك فقدته ذات ليلة وقد مضى من الليل نصفه، فبدأت تبحث عنه، حتى وجدته في البقيع، وهو رافع يديه يدعو ربه، فانحرفت، فلما أصبحت


(١) أخرجه الإمام مالك في الموطأ كتاب النداء للصلاة برقم ٤٩٧، كما أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الصلاة برقم ٤٨٦، والترمذي في سننه كتاب الدعوات برقم ٣٤٩٣،
وأبو داود في سننه كتاب الصلاة برقم ٨٧٩، وابن ماجه في سننه كتاب الدعاء برقم ٣٨٤١، قوله: ((والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح، أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الصلاة برقم ٥١٣، ومسلم في صحيحه كتاب الصلاة برقم ٥١٢، والنسائي في سننه كتاب الطهارة برقم ١٦٨.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الصلاة برقم ٤٨٥، والنسائي في سننه كتاب التطبيق برقم ١١٣١.

<<  <   >  >>