للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أنّه رفع "الخمر" على توهُّم رفع "العبيطات", لأنّه إذا أحَلَّتْها الطعنةُ، فقد حلَّتْ هي.

ومَنْ قيّد القافية، جاز أن يكون "العصي" مرفوعًا كالمطلقة، على ما ذكرناه، وجاز أن يكون منصوبًا بالعطف على "الثمام"، إلا أنّه أسكن للوقف، وما فيه الألف واللام يكون الوقف عليه كالمرفوع والمجرور.

وفي "أطرقا" ضميرٌ، وهو الألف التي هي ضمير التثنية. فإن قيل: فإذا سُمّي به وفيه ضميرٌ فإنّه يكون جملةً، فينبغي أن يُذْكَر مع الجُمَل المَحْكِيّة في المركَّبات، نحو: "تَأَبَّطَ شَرَّا" و"شَابَ قَرْنَاهَا"، فالجواب أنّ "أطرقا" له جِهتان: جهةُ كَوْنِه أمرًا، وجهةُ كونه جملةً، فأورده ههنا من حيث إنّه أمرٌ، ولو أورده في المركَّبات من حيث هو جملةٌ، لجاز. وقد روى بعضهم: "عَلَا أَطْرُقًا" بضمّ الراء، كأنّه جعله جمعَ "طرِيقٍ"، وجَعَل (١) "عَلَا" فعلاً من "العُلُوّ"، وفيه ضميرٌ، كأنّه قال: "السبيلُ عَلَا أطْرُقًا"، وعلى هذا يكون قد أنَّثَ "الطريق", لأنّ "فَعِيلاً" و"فُعالاً"، إنّما يجمعان على "أفعُل" إذا كان مؤنثًا، نحو"عَناقٍ وأعنُقٍ"، و"عُقابٍ وأعْقُبٍ"، ويكون "باليات الخيام" صفةَ "أطرُقٍ".

وقيل: "أَطْرِقا" بالكسر: جمع طريق في لغة هُذَيْل؛ تقوّي هذه المقالةَ روايةُ مَن قال: "أَطْرُقا" بالضمّ؛ ومجازُ ذلك أن يكون مقصوًا من "أَطْرِقاءَ"، كأنّه جمَعَ "فَعِيلاً" على "أَفْعِلاء" كـ "صَدِيق وأَصْدِقاءَ"، ثمّ حُذفت الألف الأولى التي للمدّ، فعادت ألف التأنيث إلى أصلها، وهو القصر، وينبغي أن تُكْتَب الألف بالياء على حدّ كَتْبها في "حُبارَى" و"سُمانَى"، ولا شاهد فيه على هذَيْن الوجهَيْن.

والثالث: الصوت قد نُقل الصوت إلى العَلَم، كما نقل الاسم والفعل. من ذلك تسميةُ عبد الله بن الحارث بـ "بَبَّة"؛ فيه صوتٌ كانت أُمُّه تُرْقِصه به وهو صبيٌّ، وذلك قولها [من الرجز]:

٥٢ - لأُنْكِحَنَّ بَبَّهْ ... جاريةً خِدَّبَّهْ


= "والخمر": الواو حرف عطف، و"الخمر": فاعل لفعل محذوف تقديره: حلّت له الخمر.
وجملة: "أحلت ... " في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة "حلت الخمر" المحذوفة معطوفة على السابقة. والشاهد بيَّنه الشارح. وفي هذا البيت روايتان: أولاهم بنصب "طعنة" ورفع "عبيطات" فاعلاً و "الخمر"، وتخرَّج هذه الرواية على أنَّ "طعنة" مفعول به وإنْ كان فاعلاً في المعنى، و"عبيطات"، و"الخمر": معطوفان عليه، ولكن الشاعر قد أتى بالفاعل منصوبًا وبالمفعول مرفوعًا على طريقة من قال: "خرقَ الثوبُ المسمارَ". والرواية الثانية برفع "طعنة" ونصب "عبيطات"، ورفع الخمر، وتخريجها على أنَّ "طعنة" فاعل "أحلَّت"، و"عبيطات" مفعول به، والخمر فاعل لفعل محذوف، أو مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف. والشاهد فيه سيوضحه الشارح.
(١) في الطبعتين: "ويجعل".
٥٢ - التخريج: الرجز لهند بنت أبي سفيان والدة عبد الله بن الحارث في سرّ صناعة الإعراب ٢/ ٥٩٩؛ =

<<  <  ج: ص:  >  >>