للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجهُ الثاني: أن تجعل "سَبَا" في موضعِ منكور، وإذا كان كذلك، فلا يمتنع كونُه حالًا، وطريقُ تنكيره أن تريد: مِثْلَ سَبَا، فتكون الإضافةُ في الحقيقة إلى "مثْل"، و"مثلٌ" نكرةٌ، وإن أُضيف إلى معرفة، كما قالوا: "قَضِيَّةٌ ولا أبَا حسنٍ لها" (١)، والمرادُ: ولا مثلَ أبي حسن، ولولا ذلك؛ لم يجز أن تعمل فيه "لَا"؛ لأنّ "لَا" يختصّ عملُها بالنكرات. ومثلُه [من الرجز]:

لا هَيْثَمَ الليلةَ للمَطِيّ (٢)

والمراد: لا مثلَ هَيْثَمٍ. و"سَبَا" أصلُه الهمزة، وإنما تُرك الهمزة تخفيفًا لطُول الاسم، وكثرةِ الاستعمال مع ثِقَل الهمزة، كما قالوا: "مِنْساةٌ"، وهو من "نَسَأْتُ"، فصار من قبيل المقصور، فإذا اعتُقد فيه التركيب والبناءُ، كانت الألف في تقديرِ مفتوح، نحوِ فتحةِ "كَفَّةَ كَفَّةَ"، و"بيتَ بيتَ" إذا رُكّبت وبُنيت، وإذا أَضَفْتَ؛ كان في موضعِ مخفوض.

وأصلُ هذا المثَل أنّ سَبَأ بن يَشْجُبَ بن يَعْرُبَ بن قَحْطانَ لمّا أُنْذِروا بسَيْل العَرم، خرجوا من اليَمَن متفرِّقين في البلاد، فقيل لكلِّ جماعة تَفرَّقتْ: "ذهبوا أيدي سَبَا" (٣)، والمرادُ بـ "الأيدي" الأبناءُ والأسْرَةُ، لا نفسُ الجارحة, لأنّ التفرّق بهم وقع، واسْتعير اسمُ "الأيْدي"؛ لأنّهم في التَّقَوِّي والبَطْش بهم بمنزلة الأيْدي، فاعرفه.

[فصل [لغتا "معديكرب"]]

قال صاحب الكتاب: في معد يكرب لغتان: إحداهما التركيب ومنع الصرف، والثانية الإضافة. فإذا أضيف جاز في المضاف إليه الصرف وتركه، تقول: هذا معديكرب ومعدي كربِ ومعد كربَ. وكذلك قالي قلا وحضرموت وبعلبك ونظائرها.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ في "معديكرب" لغاتٍ. يُقال: "هذا معديكربُ" بالرفع، وهذا: "معدِي كربٍ" بالخفض والتنوين، و"هذا معدي كربَ" بالفتح من غير تنوين، فمن قال: "هذا معديكربُ"، فإنّه ركّبهما، وجعلهما اسمًا واحدًا، وأعرب الثاني، إلَّا أنّه منعه الصرفَ لاجتماع التعريف والتركيب، وهما علّتان من مَوانعِ الصرف. وبنى الأوّلَ لأنّه


(١) المقصود الإمام علي بن أبي طالب. والمعنى: قضية مستعصية.
(٢) تقدم بالرقم ٣٢٤.
(٣) هذا مثل، وقد ورد في ثمار القلوب ص ٣٣٧؛ وزهر الأكم ٣/ ١٦؛ ولسان العرب ١/ ٩٤ (سبأ)، ١٤/ ٣٧٠ (سبا)، ١٥/ ٤٢٦ (يدي)؛ والمستقصى ٢/ ٨٨؛ ومجمع الأمثال ١/ ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>