للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"صاحبُ كم أنْتَ؟ " و"كم رجلِ عندك؟ " ويُخبَر عنها، نحوَ: "كم غلامًا عندك؟ " ويُبدَل منها الاسمُ، نحوَ: "كم دينارًا لك أعشرون، أم ثلاثون؟ " ويعود إليها الضميرُ، نحوَ: "كم رجلاً جاءك؟ " وإن شئت: "جاؤوك". وتكون مفعولةً، نحوَ: "كم رجلًا ضربتَ؟ " وهذا كلُّه يدلّ على كونها اسمًا.

وأمّا الذي أوجب بناءَها، فإنّها إذا كانت استفهامًا، فقد تضمّنت معنى الحرف، ووقعت موقعَه، فإذا قلت: "كم غلامًا لك؟ " أو"كم مالُك؟ " فمعناه: "أعشرون غلامًا لك، أم ثلاثون؟ " ونحوُهما من الأعداد، لأنه يُسأل بها عن جميع الأعداد، فأغنتْ "كَمْ" عن همزة الاستفهام وما بعدها من العدد. وإذا كانت خبرًا، فهي مبنيّة أيضًا؛ لأنّها بلفظِ الاستفهاميّة. وتقع في الخبر موقعَ "رُبَّ"، و"رُبَّ" حرفٌ، فضارعتْها "كَمْ" في الخبر، فبُنيت كبنائها. والمرادُ بمضارعتها لها أنّ "رُبَّ" لتقليل الجنس، و"كَمْ" في الخبر لتكثيره، وكلّ جنس فيه قليلٌ وكثيرٌ، فالكثيرُ مركّبٌ من القليل، والقليلُ بعضُ الكثير، فهما شريكان لذلك. وبُنيت على الوقف؛ لأنّ أصل البناء على الوقف.

وأمّا "كَذَا"، فهي كنايةٌ عن عدد مبهم بمنزلةِ "كَمْ"، يُقال: "لي عليه كذا وكذا درهمًا". إذا أراد إبهامَ العدد، كنى عنه بـ "كَذَا"، كما يكنون عن الأعلام بـ "فلان". والأصلُ "ذَا"، والكافُ زائدة، وليست على بابها من التشبيه؛ لأنّه لا معنَى للتشبيه ها هنا، إنّما المعنى: لي عليه عددٌ مَا. لم يكن هنا تشبيهٌ، فالكافُ إذًا زائدةٌ إلا أنها زيادةٌ لازمةٌ، و"ذَا" في موضع مجرور بها. ويدلّ على أنّ الكاف في "كَذَا" جازةٌ، و"ذَا" في موضعِ مجرور بها قولُهَ تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} (١)، فالكاف في "كأيّ" هي الكافُ في "كذا". فظهورُ الجرّ في "أيّ" حين زيد عليها الكافُ دليل على أن "ذَا" مجرورٌ بها، إلا أنّه لا يَتَبيَّن فيها الإعرابُ حيث كانت مبنيّة. وإذا كانت زائدة، لا تُفيد معنى التشبيه؛ لم تكن متعلّقة بفعلٍ ولا معنَى فعل، كما كانت الباءُ في "ليس زيدٌ بقائمٍ" غيرَ متعلّقة بشيء، حيث كانت زائدة.

والذي يدلّ على أنّ الكاف في "كذا، وكذا" زائدةٌ ممزوجةٌ بـ "ذَا" امتزاجَ الكلمة الواحدة، أنك لا تصف "ذَا"، ولا تُؤكِّدها، ولا تُؤنِّثها، فلا تقول: "كَذِهِ"؛ لأنّه جرى مجرَى "حَبَّذَا" في امتزاجها كلمةً واحدةً. وعلى هذا قالوا: "إنّ كذا وكذا مالُك"، فجعلوها في موضعِ مُخْبَرٍ عنه، كما قالوا: "حَبَّذَا زيدٌ"، فجعلوه في موضعِ مبتدأ مُحدَّثٍ عنه.

وأمّا "كيْتَ" وكيْتَ، فكنايتان عن الحديث المُدْمَج، كُني بها عن الحديث كما كُني بـ "فلان" عن الأعلام، وبـ "هن" عن الأجناس. وهي مبنيّةٌ، وفيها لغاتٌ تأتي بعدُ.


(١) الحج: ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>