للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقالوا: "كم رجلٍ أفضلُ منك؟ " حكاه يونُس (١) عن أبي عمرو عن العرب، جعل "أفضل" خبرًا. وتقول: "كم منهم شاهدٌ على فلان؟ " فتكون "كم" في موضع رفع بالابتداء، و"شاهدٌ" الخبر، و"عَلَى" متعلّقةٌ بـ "شاهد"، والمميّزُ محذوفٌ. وتقول في الخبر "كم غلام لك ذاهبٌ! " فـ "كَمْ" في موضع مبتدأ أيضًا، و"ذاهبٌ" الخبر، و"لَكَ" في موضع الصفة لـ"غلام"، ويتعلّق بمحذوفٍ تقديره: استقرّ لك، أو مستقِرٌّ لك.

وإذا كانت منصوبة، فعلى ثلاثة أضرب: مفعولٌ به، ومفعولٌ فيه، ومصدرٌ. فمثالُ المفعول به قولك: "كم رجلًا رأيتَ؟ " فـ "كَمْ" في موضع منصوب بـ "رأيتَ"، وهي استفهامٌ هنا، ولذلك نصبتْ مميِّزَها، وتقديمُ المفعول هنا لازمٌ؛ لأنّ "كَم" استفهامٌ، والاستفهائم له صدرُ الكلام، والتقديرُ: أعشرين رجلاً رأيتَ، ونحوه. وتقول في الخبر: "كم غلامٍ ملكتُ! " فـ "كَمْ" في موضع نصب بـ "ملكت"، وقُدّم لِما تقدّم من كونِ "كَمْ" لها صدرُ الكلام أيضًا في الخبر على حدّها في الاستفهام، وحملاً على "رُبَّ" لمضارَعتها إيّاها على ما تقدّم.

وأمّا المفعول فيه، فقولك: "كم يومًا عبدُ الله ماكِثٌ؟ " فـ "عبدُ الله" مبتدأ، و"ماكثٌ" الخبر، فـ "كَمْ" هنا زمانٌ، وهي في موضع نصب مفعولٌ فيه، ومثل ذلك: "كم شَهْرًا ضُمْتَ؟ " فـ "كَمْ" في موضع منصوب بـ "صمت". وتقول: "كم فَرْسَخًا سِرْتَ؟ "، و"كم مِيلاً قطعتَ؟ " فـ "كَمْ" هنا مكان.

ومثالُ المصدر: "كم ضَرْبَةً ضربتُ؟ " و"كم وَففَةً وقفتُ؟ " فتكون "كم" في موضع مصدر منصوب بما بعده من الفعل. والمرادُ عددُ المرّات. فـ "كَمْ"، يُسأل بها عن كل مقدار، فلذلك جاز أن يسأل بها عن الزمان والمكان، وعن المصادر، وعن الأسماء، فعَنْ أيِّ شىء سُئل بها عنه، صارت من ذلك الجنس، وُيوضح أمرَها مميِّزها.

وأمّا إذا كانت مجرورة، فإنَّ ذلك يكون بحرف جر، أو بإضافة اسم مثله إليه، فمثالُ حرف الجرّ: "بكَمْ رجلاً مررتَ؟ " فـ "كَمْ" في موضع مخفوض بالباء، والجارُّ والمجرور في موضع نصب بـ "مررت"، و"رجلاً" منصوبٌ بـ "كَمْ"؛ لأنّها استفهامٌ. فإن أردتَ الخبر، خفضتَ "رجلاً"، وقلت: " بكم رجلٍ مررت! ".

والفرقُ بينهما أنّه في الاستفهام يسأل عن عددِ من مرّ بهم من الرجال، وفي الثاني يخبر أنّه مرّ بكثير من الرجال، فالمسألةُ الأُولى تقتضي جوابًا، والثانية لا تقتضي جوابًا. وتقول: "على كم جِذْعًا بُني بيتُك؟ " فـ "كم" أيضًا مخفوضةٌ بـ "عَلَى"، و"عَلَى" وما بعده في موضع نصب بما بعده من الفعل، وهو فعلٌ بُني للمفعول، و"جذعًا" منصوبٌ بـ "كَمْ". وقد حكى الخليلُ (٢) أنّ من العرب من يخفض "جدْعًا"، ويقول: "على كم


(١) الكتاب ٢/ ١٦١.
(٢) الكتاب ٢/ ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>