للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثالثُ: أنّهما شريكان في وصول الفعل إليهما على سبيل الفضلة، غيرَ أنّ وقوعه على المنصوب بلا واسطةٍ، وعلى المجرور بواسطة حرف الجرّ، ألا ترى أنّه لا فرقَ في المعنى بين قولنا: "نصحتُ زيدًا"، و"نصحتُ لزيدٍ"؟ فلمّا استويا في المعنى سُوّي بينهما في اللفظ.

فإن قيل: فهلّا استُعملت الألف في نصب التثنية والجمع في أحدهما، وأسقطوها من الآخر، إذ اللبسُ إنّما وقع باستعمالها فيهما؟ فالجوابُ أنّ التثنية وهذا الضربَ من الجمع، لمّا كانا على منهاج واحد في سلامة لفظ الواحد، وزيادةٍ مّا تدلّ على التثنية والجمع، ووجب إسقاطُ الألف من أحدهما، أسقطوها من الآخَر، ليتّفقا، ولا يختلفا. ونظيرُ ذلك: "يَعِدُ"، و"يَزِنُ"، والأصلُ: "يَوْعِد"، و"يَوْزِن"، فحذفوا الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، ثمّ أتبعوا باقيَ المضارع في الحذف، إذ كان طريقُها في المضارعة واحدًا.

فإن قيل: ولِمَ أزالوا الواو من علامةِ رفع التثنية، وجعلوا مكانَها الألفَ مع حصول الفرق بين التثنية والجمع بفتحِ ما قبل الواو في التثنية وضمِّ ما قبلها في الجمع؟ قيل: كرهوا أن يستعملوا حرفَيْن من حروف المدّ، ويطرحوا الثالثَ، وقد كانت الحركاتُ المأخوذة منهنّ مستعمَلاتٍ في الواحد. واستعملوا الألف في التثنية دون الجمع لوجهَيْن:

أحدُهما: أن ما قبل الياء في التثنية مفتوحٌ مُشاكِلٌ للألف.

والوجهُ الثاني: أنّ التثنية أكثرُ من الجمع، ألا ترى أن كلَّ ما يجوز جمعُه هذا الجمعَ يجوز تثنيتُه، وليس كلُّ ما يجوز تثنيتُه يجوز أن يُجمع جمعَ السلامة؟ فجُعلت الألفُ فيما يكثر استعمالُه لخفّتها؛ لأنّهم يعتنون بتخفيفِ ما يكثر على ألسِنتهم، ولذلك نظائر كثيرةٌ. وإنّما استعملوه في المرفوع دون المجرور؛ لأنّ الجرّ لازم في الاسم لا يكون إلا فيه، وليس كذلك الرفعُ، فإنّه يكون فيه، وفي الفعل، فكان تغييرُ ما ليس بلازمٍ أوْلى.

ووجهٌ آخر: أنَّ الواو أثقلُ من الياء، فلمّا وجب إبدالُ إحداهما بالألف، كانت الواوُ أوْلى لثقلها، مع أنّهم كرهوا أن يقولوا: "الزيدَوْن"؛ لأنّه يُشْبِه لفظَ ما جُمع من المقصور جمعَ السلامة، نحوِ: "المُصْطَفَوْنَ" وَ"المُعَلَّوْنَ".

واعلم أنّ الألف والياء حرفا إعرابٍ بمنزلة الدال من "زيد" والراء من "جعفر". هذا مذهبُ سيبويه، وهو قولُ أبي إسحاق، وابن كَيْسانَ، وأبي بكر بن السَّرّاج. واحتجّوا بأنّ حكمَ الإعراب أن يدخل الكلمةَ بعد دلالتها على معناها، للدلالة على اختلاف أحوالها من الفاعليّة والمفعوليّة ونحوِهما، نحوِ قولك: "جاءني زيدٌ"، و"رأيت زيدًا"، و"مررت بزيدٍ"، فيختلف حالُ الاسم بحسبِ اختلاف الإعراب، وذاتُ الاسم واحدةٌ لا تختلف. فلمّا كان الواحدُ دالاً على مفردٍ، وبزيادة حرفَي التثنية دالاً على اثنين، كان حرفُ التثنية من تمام الاسم، ومن جملةِ صيغةِ الكلمة، وصار كالهاء في "قائمة"، والألف في

<<  <  ج: ص:  >  >>