للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يقل: "ذات غربة"، كأنّه حمله على "إنسانٍ ذي غربة"؛ لأنّ المرأة إنسانٌ، فكذلك قالوا: "حائضٌ" على معنى: شَيْءٍ حائضٍ، لأنّ المرأة شيءٌ وإنسانٌ.

واعلم أن "حائضًا"، و"طاهِرًا"، ونحوهما إذا سقط منها التاء على التأويل المذكور، فإنّه مذكرٌ، وليس ذلك من قبيل المؤنث المعنويّ من نحو: "نَعْلٍ"، و"سُوقٍ"، و"دارٍ"، اللاتى التاء مرادةٌ فيها، والذي يدلّ على ذلك أنّا لو سمّينا رجلاً بـ "حائض" أو "طاهر"، لصرفنا. ولو كان مؤنّثًا، لم ينصرف كما لو سمّينا بـ "سُعاد"، و"زَيْنَب"، وذلك نصٌّ من سيبويه (١). ويدلّ على تذكيره أيضًا أنّ التاء قد تدخله على الحدّ الذي وصفناه، وإنّما وُصف المؤنّث بالمذكّر على التأويل على حدّ وصف المذكّر بالمؤنّث، كقولهم: "رجلٌ رَبْعَةٌ، ونُكْحَةٌ، ولُعْنَةٌ، وهُزْأَةٌ".

وذهب الكوفيون إلى أنّ سقوط التاء من هذه الأشياء؛ لأنّها معانٍ مخصوصٌ بها المؤنّث، فاستغني عن علامة التأنيث، إذ العلامةُ إنّما يُؤتَى بها عند الاشتراك في المعنى للفصل؛ فأمّا إذا لم يكن هناك اشتراك، فلا حاجةَ إلى علامة. ورأيتُ ابن السكِّيت قد عَلَّلَ بذلك في إصلاحه. وهو يَفْسُد من وجوهٍ:


= وبين ذوي وأهلى فإنى أشعر بالغربة والوحدة، فلا أنيس ولا ناصر لها في غير عامر.
الإعراب: "قامت": فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: تاء التأنيث الساكنة، والفاعل ضمير مستتر تقديره: هي. "تبكيه": فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على التاء للثقل، والفاعل ضمير مستتر تقديره: هى: والهاء: مفعول به. "على قبره": جار ومجرور متعلقان بالفعل (تبكى)، والهاء: مضاف إليه. "من": اسم استفهام مبني على السكون في محلّ مبتدأ. "لي": جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف. "من بعدك": جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف. "يا": حرف نداء. "عامر": منادى مفرد علم مبني على الضم في محلّ نصب.
وجملة "قامت": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "تبكيه": في محلّ نصب حال. وجملة "من لي": في محلّ نصب مفعول به. وجملة "يا عامر": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
"تركتني": فعل ماضٍ مبني على السكون والتاء المتحركة في محلّ رفع فاعل والنون للوقاية، والياء مفعول به أول. "في الدار": جار ومجرور متعلقان بالفعل (تركت)."ذا": مفعول به ثانٍ منصوب بالألف لأنه من الأسماء الخمسة. "غربة": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "قد": حرف تحقيق. "ذل": فعل ماضٍ مبني على الفتحة. "من": اسم موصول بمعنى الذي في محلّ رفع فاعل. "ليس": فعل ماضٍ ناقص. "له": جار ومجرور متعلقان بخبر ليس المحذوف. "ناصر": اسم ليس مرفوع بالضمة.
وجملة "تركتني": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "ذلَّ": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "ليس له ناصر": صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "ذا غربة" أجرى الشاعر الكلام على ما يقتضيه المعنى. فإنه كان ينبغي لو أنه أجرى الكلام على ما يقتضيه اللفظ أن يقول: "ذات غربة" لأن الحديث على لسان امرأة؛ لكنه مع ذلك أجرى الكلام على المعنى؛ فإن المرأة يقال له: "إنسان" أو "شخص" والشخص مذكر، فيجوز أن تجري عليه صفات المذكرين تبعًا للفظه.
(١) الكتاب ٣/ ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>