للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتأنيث، فجُعلت علامة فيما كان أذهبَ في معنى الجمعيّة، والنونُ فيما هو أقلُّ حَظًّا في الجمعيّة؛ لأنّ النون لا ترد للتأنيث خصوصًا، وإنّما ترد على ذواتٍ صفتُها التأنيث. والذي عندي في ذلك أنّ بناء القلّة قد جرى عليه كثيرٌ من أحكام الواحد. من ذلك جوازُ تصغيرها على ألفاظها من نحو: "أُجَيْمالٍ"، و"أُثَيّابٍ". ومنها جوازُ وصف المفرد به من نحو: "بُرْمَةٍ أكْسارٍ"، و"ثَوْبٍ أَسْمالٍ". ومنها عود الضمير إليه مفردًا من قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} (١). فلمّا غلبت على القلّة أحكامُ المفرد؛ عبّروا عنها في التأنيث بالنون المختصّة بالجمع، لئلّا يُتوهّم فيها الإفرادُ. وقوله: "وما ذاك بضَرْبةِ لازِبٍ" يريد: بأَمْرٍ ثابتٍ يلزمك أن تأتي به، بل أنتَ مخيَّرٌ إن أتيتَ به، فحَسَنٌ؛ وإن لم تأت به، فعربيٌّ جيّدٌ، وهو من قولهم: "لَزَبَ الشيء يَلْزُبُ لُزُوبًا" إذا ثبت، و"لازِبٌ" أفصحُ من "لازِمٍ".

[فصل [حكم صفة اسم الجمع في التذكير والتأنيث]]

قال صاحب الكتاب: ونحو "النخل" و"التمر" مما بينه وبين واحده التاء يذكر ويؤنث قال الله تعالى: {كأنهم أعجاز نخل خاوية} (٢) وقال: {منقعر} (٣). ومؤنث هذا الباب لا يكون له مذكر من لفظه لالتباس الواحد بالجمع. وقال يونس: فإذا أرادوا ذلك؛ قالوا: "هذه شاةٌ ذكرٌ", و"حمامةٌ ذكرٌ".

* * *

قال الشارح: قد تقدّم أنّ هذا الضرب من الجمع ممّا يكون واحدُه على بنائه من لفظه، وتلحقه تاء التأنيث ليُبيَّن الواحد من الجمع، فإنّه يقع الاسمُ فيه للجنس كما يقع للواحد، فإذا وصفتَه، جاز في الصفة التذكيرُ على اللفظ؛ لأنّه جنسٌ مع الإفراد، والتأنيثُ على تأويل معنى الجماعة. وذلك نحو قوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} (٤) و {مُنْقَعِرٍ} (٥). ويجوز جمع الصفة مكسَّرًا ومصحَّحًا، نحو قوله تعالى: {السَّحَابَ الثِّقَالَ} (٦)، وقال تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} (٧).

ويقع على الحيوان كما يقع على غيره من نحو: "حَمامةٍ"، و"حَمامٍ"، و"بَطَّةٍ"، و"بَطٍّ"، و"شاةٍ"، و"شاءٍ". ولا يُفْصَل بين مذكّره ومؤنّثه بالتاء؛ لأنّك لو قلت للمؤنّث: "حمامةٌ"، وللمذكّر: "حمامٌ"؛ لالتبس بالجمع، فتَجنَّبوه لذلك، واكتفوا بالصفة. فإذا


(١) النحل: ٦٦.
(٢) الحاقة: ٧.
(٣) القمر: ٢٠ من الآية {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}.
(٤) الحاقة: ٧.
(٥) القمر: ٢٠.
(٦) الرعد: ١٢.
(٧) ق: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>