للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك "مُتَّعِدٌ"، و"مُتَّسِرٌ"، و"مُتَّزِنٌ"، إذا صغّرتها، قلت: "مُوَيْعِدٌ"، و"مُيَيْسِرٌ"، و"مُوَيزِنٌ"، فعُدتَ إلى الأصل؛ لأنّ "متّعدًا" من "الوَعْد"، و"متّزنًا" من "الوَزْن"، و"متّسرًا" من "اليُسْر". وإنّما قلبت الفاء تاءً منها لوقوع تاء الافتعال بعدها. فإذا صغّرتها، حُذفت؛ لكون الاسم بها خمسةَ أحرف. وإذا حذفت التاء، عادت الواو والياء إلى أصلهما؛ لأنّ القلب إنّما كان لأجل التاء، هذا مذهبُ أبي إسحاق الزجَّاج، وأمّا سيبويه (١)، فلا يرى ردَّها إلى أصلها، ويقول: "مُتَيْعِدٌ"، و"مُتَيْزِنٌ"، و"مُتَيْسِرٌ". وذلك لأنّ قاعدة مذهبه أنّه إذا وجب البدل في موضع الفاء والعين لعلّةٍ، ثمّ زالت العلّةُ بالتصغير، لم يُغيِّر البدل، كأنّ التصغير قام مقام العلّة، فـ "مُتعِدٌ" بمنزلة "مُغْتَسِلٍ" فإذا صُغّرت، حُذفت تاء الافتعال، وبقيت التاءُ الأُولى على حالها. والأوّلُ أقيسُ.

فأمّا "بابٌ"، و"نابٌ" ونحوهما ممّا هو على ثلاثة أحرف، وثانيه ألفٌ، فإنّه إن كانت الألف فيه منقلبة عن واو، رُدّت الواو، نحوَ قولك في "باب": "بُوَيْبٌ"، وفي "مالٍ": "مُوَيْلٌ"، وفي "غارٍ": "غُوَيْرٌ". وفي المثل "عَسَى أن يكون الغوَيْرُ أبْؤُسًا" (٢).

وما كان من الياء، فإنّك تردّها إلى الياء، نحوَ قولك في "ناب": "نُيَيْبٌ"، وفي رجلِ اسمُه "غَابَ"، و"صَارَ": "غُيَيْبٌ"، و"صُيَيْرٌ". وذلك لأنّك تضمّ أول المصغّر أبدًا إذا كان اسمًا متمكنًا، والألفُ لا تثبت مع انضمام ما قبلها؛ لأنّها مَدّةٌ لا تكون حركةُ ما قبلها إلَّا من جنسها، فإن لم يُعرَف له أصلٌ في الواو والياء، قُلبت إلى الواو؛ لأنّ ذوات الواو في هذا الباب أكثرُ من ذوات الياء، فلذلك تقول في "سارٍ": "سُوَيْرٌ"، تريد: السائر، فتحذف الهمزة. وسَواءٌ في ذلك كان من "سَارَ يَسِيرُ"، أو من قولك: "سائر الناس"؛ لأن الهمزة التي هي عينٌ أو بدلٌ من عين محذوفةٌ للتخفيف، فبقي "سارٌ" على زنة "فَالٌ"، فقلبتها واوًا، كما لو لم تحذف العين في نحو: "سُوَيْئِر"، و"ذُوَيهِبٍ". وكذلك تقول في "رجل خافٍ": "خُوَيْفٌ"، سواءٌ في ذلك كان أصله "خائفًا"، ثمّ خُفّف، أو"خَوِفًا"، مثلَ "رجلٍ مال"، و"كَبْشٍ صافٍ"، فاعرفه.

وأمّا البدل اللازم، فنحو الهمزة في "قائلٍ"، و"بائعٍ"، فإذا صُغّر شيء من ذلك،


(١) انظر: الكتاب ٣/ ٤٦٥.
(٢) ورد المثل في جمهرة الأمثال ٢/ ٥٠؛ وجمهرة اللغة ص ٧٨٣؛ وخزانة الأدب ٥/ ٣٦٤، ٣٦٥، ٨/ ٣٨٦، ٩/ ٣١٦، ٣٢٠، ٣٢٨؛ وزهر الأكم ١/ ٢١٠؛ والعقد الفريد ٣/ ١١٧؛ وفصل المقال ص ٤٢٤؛ وكتاب الأمثال ص ٣٠٠؛ ولسان العرب ١/ ٥٢ (جيأ)، ٥/ ٣٨ (غور)، ٦/ ٢٣ (بأس)، ١٥/ ٥٥ (عسا)؛ والمستقصى ٢/ ١٦١؛ ومجمع الأمثال ٢/ ١٧.
الغوير: تصغير غار. والأبؤس: جمع بؤس، وهو الشدّة. والمثل قالته الزَّبّاء عندما علمت برجوع قصير من العراق، ومعه الرجال، وبات بالغوير على طريقه.
يضرب مثلًا للرجل يخبر بالشر فيتَّهم به.

<<  <  ج: ص:  >  >>