للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: أنّ أكثر الضمائر على حرفٍ أو حرفَين، وذلك ممّا لا يُحقَّر لنَقْصه عن أبنية التحقير.

الثالث: أنّ المضمرات ليست أسماء لشيء ثابت تخُصّه ولا تقع على غيره، والشيء إنّما يكون حقيرًا صغيرًا بالإضافة إلى ما له ذلك الاسمُ، وهو أكبرُ منه.

فإن قيل: فقد حقّروا المبهمات، وهي مبنيات تجري مجرى الحروف، وفيها ما هو على حرفَيْن. قيل: المبهم يُشبِه الظاهرَ من حيث إنّه يوصَف، ويوصَف به، ويُبتدأ به الكلامُ، كقولك: "هذا زيدٌ"، وليس فيه شيءٌ يَتّصل بالفعل، ولا يجوز فصُله كالكاف في "ضربتُك"، والتاء في "قمتُ"، فالمبهمُ كالظاهر؛ لقيامه بنفسه، ولِما ذكرناه.

ولا يُحقَّر "أَيْنَ"، ولا "مَتّى"؛ لبُعْدهما من التمكّن وتنزلُّهما منزلةَ الحروف من جهة تضمُّنهما معنى الاستفهام، ولا تُصغَّر "حَيْثُ" لعدم تمكُّنها، وافتقارها إلى مُوضِح، ومثلُها في الأزمنة "إذ"، و"إذَا".

فإن قيل: فإنّ "الَّذِي"، و"الَّتِي"، يفتقران إلى مُوضِح افتقارَ "حَيْثُ"، ومع ذلك فإنّهما يُصغَّران، نحو: "اللَّذَيَّا"، و"اللَّتَيَّا"، قيل: "الّذي"، و"الّتي": أقربُ إلى التمكّن، ألا ترى أنّهما يكونان فاعلَيْن ومفعولَيْن، ويُبتدأ بهما ويوصَفان، ويوصَف بهما، فافترق الحالُ بينهما؟ ومن ذلك "عِنْدَ"، فإنّها لا تُصغَّر لعدم تمكُّنها, ولأنّ الغرض من تصغير الظرف التقريبُ كـ"تُحَيْتَ"، و"فُوَيْقَ"، وعِنْدَ في غاية القرب، فلمّا دلّ لفظُها على ما تدلّ عليه الظروفُ مصغّرة لم يُحْتَج إلى التصغير فيها.

وأمّا "مَعَ"، فلا تُصغَّر أيضًا لبُعْدها من التمكّن، وكونِها على حرفَيْن، وقد اعتقد فيها الحرفيّةَ من أسكنها في قوله [من الوافر]:

فَرِيشِي مِنْكُمُ وهَوايَ مَعْكُمْ (١)

ومن ذلك "غَيْرٌ"، و"سِوى"، لا يُصغَّران بخلاف "مِثلٍ"، فإنّك تصغّره، فتقول: "هذا مُثَيْلُ هذا"، ولا تقول: "غُيَيْرُهُ". وذلك من قِبَل أن المماثَلة قد تختلف بأن تقلّ وتكثُر، ألا ترى أنّك تقول: "هذا أكثرُ مماثَلة"، و"هذا أقلُّ مماثَلة من هذا". وليست المغايَرةُ كذلك؛ لأنّ "غَيْرًا" اسمٌ لكلِّ مَن لم يكن المضافَ إليه، وليس في كونه غيرَه معنى يكون أنقصَ من معنى، فيُصغرَ الناقص كما كان في المماثَلة كذلك. وأمّا "سَوى" فالعلّةُ واحدة.

ومن ذلك "حَسْبُ" لا يصغّر؛ لأنّه في معنى الفعل، فإذا قلت: "حَسْبُك درهمان"، فمعناه: "ليَكْفِك درهمان"، فكما لا يصغّر الفعل، كذلك لا يصغّر ما هو في معناه.


(١) تقدّم بالرقم ٣٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>