للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حذفت منهما تاء التأنيث على القاعدة، فبقي الشين والياء، ولا عَهْدَ لنا باسمٍ على حرفَين الثاني منهما حرفُ مدّ ولين. ووجب زيادةُ حرف؛ ليصير إلى ما عليه الأسماءُ المتمكنةُ، فكان ردُّ المحذوف أولى من زيادة حرف غريب؛ فرُدّت الواو مكسورةً على أصلها، وبقيت العين مكسورةً أيضًا، ثمّ أبُدل من الكسرة فتحةٌ، ومن الياء ألفٌ، ثمّ قلبت الألف واوًا كما فعلت في "عَمٍ"، و"شَجٍ"، فقلت: "عَمَويّ"، و"شَجَويّ".

وإنّما أبقوا الكسرة في العين؛ لأنّ قاعدة مذهب سيبويه (١) أن الاسم إذا دخله حذفٌ، ولزم الحرفَ المُجاوِرَ الحركةُ، ثمّ رُدّ المحذوف لعلّة أو ضرورةٍ؛ فإنّه يُبْقِي الحركة فيه، ولا يُزيلها، فتقول في "غَدٍ": "غَدَويّ"، وفي "يَدٍ": "يَدَويّ"، فتفتح العين منهما، وإن كان أصلها السكون. والذي يدلّ أن الأصل في "غَدٍ" "غَدْوٌ"، بسكون العين، قول الشاعر، وهو لَبِيدٌ [من الطويل]:

٨٣٩ - وما الناس إلَّا كالدِيار وأهْلُها ... بها يَوْمَ حَلُّوها وغَدْوًا بَلاقِعُ


(١) انظر: الكتاب ٣/ ٣٧٠.
٨٣٩ - التخريج: البيت للبيد في ديوانه ص ١٦٩؛ وأمالي المرتضى ١/ ٤٥٣؛ والشعر والشعراء ١/ ٢٨٤؛ ولسان العرب ١٥/ ١١٦ (غدا)؛ ولذي الرّمة في ملحق ديوانه ص ١٨٨٧؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٧/ ٤٧٩؛ والمنصف ١/ ٦٤، ٢/ ١٤٩.
اللغة: الغدو: الغد، اليوم التالي لليوم الذي نكون فيه. البلاقع: القفار.
المعنى: تشبه الناس ديارها، فهي حيّة إن نزل الناس بها، وميتة إن هجروها في الغد، وكذلك الناس أحياء اليوم، وأموات غدًا.
الإعراب: "وما": الواو: حسب ما قبلها، "ما": حرف نفي مهمل. "الناس": مبتدأ مرفوع بالضمّة. "إلا": حرف حصر. "كالديار": الكاف: حرف تشبيه وجر، "الديار": اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلّقان بالخبر المحذوف. "وأهلها": الواو: حالية، "أهل": مبتدأ مرفوع بالضمّة، و"ها": ضمير متصل في محل جرّ مضاف إليه. "بها": جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف، بتقدير (وأهلها موجودون بها). "يوم": مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة، متعلّق بالخبر المحذوف. "حلوها": فعل ماضٍ مبني على الضم، والواو: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل، و"ها": ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. "وغدوًا": الواو: حرف عطف، "غدوًا": مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة، متعلّق بـ"بلاقع". "بلاقع": خبر مرفوع بالضمّة لمبتدأ محذوف بتقدير (وهي بلاقع غدوًا).
وجملة "وما الناس إلا كالديار": حسب ما قبلها، أو ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "وأهلها بها": حالية محلها النصب. وجملة "حلوها": في محلّ جرّ مضاف إليه. وجملة "وهي بلاقع غدوًا": معطوفة على جملة "وأهلها بها".
والشاهد فيه قوله: "غدوًا" حيث أعاد كلمة "غد" إلى أصلها (غدو)، وقال: إن هذا فاسد، على اعتبار أنها لغة في "غد" وليس ردًّا إلى الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>