للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوز أن يُجْعَل وصفًا لـ "رجل" إلَّا بعُلْقَةٍ، وهي الهاء التي وصفنا. وتقول: "مررت برجل كريم أبوه، وبرجل حسنةٍ جاريتُه"، وإنّما تُؤنث "حسنة"، وهي صفةٌ لمذكر, لأنّه فعلُ "الجارية"، وإنّما وُصف به "الرجل" للعلقة اللفظية التي بينهما، فإن أردت التثنية أو الجمع، لم تُثَن الصفة ولا تَجْمَع؛ لأنها بمنزلةِ فعل متقدّم، فتقول: "مررت برجل كريمٍ أبواه، وبرجالٍ كريمٍ آباءُهم"، فاعرفه.

[فصل [دلالتها وإضافتها إلي فاعلها]]

قال صاحب الكتاب: وهي تدل على معنى ثابت فإن قصد الحدوث قيل هو حاسن الآن أو غداً، وكارم وطائل. ومنه قوله عز وجل: {وضائق به صدرك} (١) , وتضاف إلى فاعلها كقولك: كريم الحسب وحسن الوجه، وأسماء الفاعل والمفعول يجريان مجراها في ذلك فيقال ضامر البطن، وجائلة الوشاح، ومعمور الدار، ومؤدب الخُدّام.

* * *

قال الشارح: اعلم أن هذه الصفات وإن كانت مشبّهة باسم الفاعل، فبينهما تبايُنٌ وطريقُهما مختلف، وذلك أن "حَسَنًا" مأخوذ من فعل ماض، وأمرٌ مستقرّ، ومع ذلك فإذا أضفته إلى معموله، فلا يتعرّف، وإن كان ما أُضيف إليه معرفة، وتصف به النكرة، فتقول: "مررت برجل حسنِ الوجهِ"، وليس كذلك اسم الفاعل إذا كان في مذهبِ "حَسُنَ" من المُضيّ، بل يكون معرفة إذا أُضيف إلى معرفة.

فإن قيل: فهذا زعمتم أن هذه الصفات ونحوها في معنى الماضي؛ فما بالكم تُعْمِلونها، واسم الفاعل الذي شُبّهت به إذا كان ماضيًا؛ لا يجوز أن يعمل، وهل هذا إلا إعطاء الفرع فوق مرتبة الأصل؟ قيل: هذه الصفات، وإن كانت من أفعال ماضية، إلَّا أن المعنى الذي دلّت عليه أمر مستقرٌّ ثابت متصل بحال الإخبار، ألا ترى أن "الحسن" و"الكرم" معنيان ثابتان، ومعنى الحال أن يكون موجودًا في زمن الإخبار، فلمّا كان في معنى الحال، أُعْمِل فيما بعده، ولم يخرج بذلك عن منهاج أسماء الفاعلين.

فإن قُصد الحدوث في الحال، أو في ثاني الحال؛ جيء باسم الفاعل الجاري على المضارع الدال على الحال أو الاستقبال، وذلك قولك: "هذا حاسنٌ غدًا" أي: سَيَحْسُنُ، و"كارمٌ الساعةَ". ومنه قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} (٢)، أي: بَلغْ ما أُنْزِل إليك بصدرٍ فسيحٍ من غيرِ التفات إلى استكبارهم واستهزائهم. وعدل


(١) هود:١٢.
(٢) هود:١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>