للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا قلت: "هذا ضاربٌ زيدًا" على التشبيه به، كما رُفع "الوجه" في قولك: "حسنٌ وجهُه" على التشبيه به.

والثاني: أن يكون منصوبًا على التمييز، كما تقول: "هذا أحسنُ منك وجهًا"، و"ما في السماء موضعُ راحةٍ سَحابًا"؛ لأنّك بيّنت بِـ "الوجه" موضع الحسن، كما بين "السحابُ" نوع المقدار، وهو نكرةٌ كما أنّه نكرة. فأمّا قوله [من البسيط]:

هيفاء مُقْبِلة ... إلخ

البيت لأبي زُبَيْد الطائي، والشاهد فيه نصب "أنيابًا" بـ "شنباء" لِما فيه من نيّة التنوين، إلَّا أنّه لا ينصرف، فامتناعُ التنوين منه لعدم الصرف، لا للإضافة، فهو كقولك: "هؤلاء حواجُّ بيتَ الله". وصف امرأة، قال: إذا أقبلت رأيتَ لها خَصْرًا أَهْيَف- والهَيَفُ: ضُمْرُ البطن والخصر- وإذا أدبرت رأيت لها عجيزة مُشْرِفة. والمحطوطةُ: المَلْساء الظَّهْر، يريد أنّها غير متغضنةِ الجِلْد من كِبَرٍ، وجُدلت: أُحكم خَلْقُها من الجَدِيل، وهو زِمامٌ من أَدَمٍ.

الرابع: قولهم: "هذا حسنُ وجه". ومنه قولهم: "هو حديثُ عَهْدٍ بالنِّعمة". وهو مثل "حسنُ الوجهِ"، إلَّا أنّهم حذفوا الألف واللام تخفيفًا، ولأنه موضعٌ أُمِنَ فيه اللبسُ لعلم السامع أنّه لا يعني من الوجوه إلَّا وجهه، ولأنّ الوجه لا يُعرَّف حَسَنًا لأنّه في نيّة الانفصال. ويدل على تنكيره مع إضافته إلى المعرفة جوازُ دخول الألف واللام عليه في قولهم: "مررت بالرجل الحسن الوجه". فأمّا قوله [من الرجز]:

لاحِق بَطْنٍ بقَرًا سَمِينِ

البيت لحُمَيْدٍ الأَرْقَطِ، والشاهد فيه إضافة "لاحق" إلى "البطن" مع حذف الألف واللام، فهو بمنزلة "حسنُ وجهٍ". واعلم أن قوله "لاحق بطن" وإن كان أصله اسم فاعل كـ "ضارب" و"خارج"، فإنّما ذُكر في هذا الباب لانّه أُجْرِي مجرى الصفة المشبّهة، فقُدّر بـ "لاحقٍ بطنُه"، كما قدّر "حسنُ وجه" بـ "حسنٍ وجهُه" فـ "البطنُ" فاعلٌ في المعنى كما أن "الوجه" فاعل في المعنى، واسمُ الفاعل لا يضاف إلى الفاعل. لا تقول: "هذا ضاربُ زيدٍ"، و"زيدٌ" فاعل؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه، وليس كذلك الصفة, لأنها نُقلت النقلَ الذي لا يكون في اسم الفاعل. وصف فرسًا بضُمْر البطن. واللاحقُ: الضامر، وحقيقتُه أن يلحق بطنُه ظهرَه ضُمْرًا، ثم نفى أن يكون ضُمْرُه من هُزالٍ، فقال: "بقَرًا سمينٍ". والقرا: الظَّهْر.

الخامس: قولهم: "هو حسنٌ الوجهَ"، وذلك على رأي من يقول: "هو حسنٌ وجهًا"، فانتصاب "الوجه" هنا على التشبيه بالمفعول، وذلك لأنّه لما أضمر الفاعلَ في الصفة؛ جعل الثاني كالمفعول، فصار بمنزلة قولك: "هذا الضارب الرجلَ"، و"القائل

<<  <  ج: ص:  >  >>