للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحروف، وجب أن تكون العلامات غيرَ الحروف؛ لأنّ العلامة غيرُ المعلَّم، كالطَّراز في الثوب. ولذلك كانت الحركات هي الأصلَ؛ هذا هو القياس. وقد خُولف الدليل، وأعربوا بعضَ الكلم بالحروف لأمرٍ اقتضاه، وذلك في مواضعَ. منها: الأسماء الستّة المعتلّة؛ إذا كانت مضافة؛ ومنها "كِلا"؛ ومنها التثنية، والجمع السالم.

فأمّا الأسماء الستّة المعتلّة، وهي: "أخوك"، و"أبوك"، و"حموك"، و"فوك"، و"هنوك"، و"ذو مال"، فهذه الأسماء إذا أُضيفت إلى غير ضميرِ متكلّم، كان رفعها بالواو، ونصبها بالألف، وجرّها بالياء؛ نحوَ قولك: "هذا أخوك وأبوك"، و"رأيت أخاك وأباك" و"مررت بأخيك وأبيك". وكذلك سائرها.

وإنما أُعربت هذه الأسماء بالحروف, لأنها أسماءٌ حُذفت لاماتها في حال إفرادها، وتضمّنت معنى الإضافة، فجُعل إعرابها بالحروف كالعوض من حذفِ لاماتها. واحترزنا بقولنا: "وتضمّنت معنى الإضافة"، عن مثل "يَدٍ"، و"دَم"، و"غَدٍ"، وشِبْهِها ممّا حُذفت لامه.

فإن قيل: قولكم: "تضمّنت معنى الإضافة" زيادةُ وصف لا تاثيرَ له، وإلحاقُه بالعلّة يكون حَشْوًا، فلا يكون جُزْء للعلّة. فالجواب لا نُسِلّم أنَّه لا تأثير له، وذلك لأنه إذا تضمّن معنى الإضافة، صار في معنى التثنية، لدلالته على شيئَيْن، مع أنّا نقول: إن إلحاق الوصف بالعلّة، مع عدم المناسَبة إذا ذُكر احترازًا من وُرود نَقصٍ، جاز كما لو كان له تأثير؛ وذلك لأنّ الأوصاف في العلّة تفتقر إلى شيئَيْن: أحدهما: أن يكون لها تأثيرٌ، والثاني: أن تكون للاحتراز. فكما لا يكون ما له تأثير حشوًا، كذلك لا يكون ما فيه احتراز حشوًا.

وقال قوم: إنّما أُعربت هذه الأسماء بالحروف توطئة لإعراب التثنية والجمع بالحروف؛ وذلك أنهم لمّا اعتزموا إعرابَ التثنية والجمع بالحروف؛ جعلوا بعض المفردة بالحروف، حتى لا يُسْتوحش من الإعراب في التثنية والجمع السالم (١) بالحروف. ونظيرُ التوطئة ها هنا قول أبي إسحاق: "إنّ اللام الأوُلى، في نحو قولهم: "واللهِ لَئنْ زُرْتَني لأكرمتُك"، إنّما دخلت زائدة مُؤْذِنة باللام الثانية التي هي جوابُ القسم ومعتمَدُه".

وقد اختلفوا في هذه الحروف؛ فذهب سيبويه إلى أنهّا حروف إعرابٍ، والإعراب فيها مقدَّرٌ، كما يقدَّر في الأسماء المقصورة؛ وإنّما قُلبت في النصب والجرّ للدلالة على الإعراب المقدَّر فيها, ولا يلزم مثلُ ذلك في الأسماء المقصورة, لأنّهم أرادوا اختلافَ أواخر هذه الأسماء توطئة للتثنية والجمع، على ما ذكرنا، فلم يلزم في غيرها ممّا كان في معناها.


(١) يريد جمع المذكَّر السالم.

<<  <  ج: ص:  >  >>