للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل [بناء المضارع]]

قال صاحب الكتاب: وإذا اتصلت به نون جماعة المؤنث, رجع مبنيًا، فلم تعمل فيه العوامل لفظاً، ولم تسقط كما لا تسقط الألف والواو والياء التي هي ضمائر, لأنها منها, وذلك قولك: "لم يضربن", و"لن يضربن". ويبنى أيضاً مع النون المؤكدة, كقولك: "لا تضربَنَّ" و"لا تضربَنْ".

* * *

قال الشارح: اعلم أن هذه النون تلحق آخرَ الفعل علامةً للجمع والضميرِ في نحو قولك: "الهندات قُمْنَ، ويَقُمْنَ"، وعلامة للجمع مجرّدة من الضمير في نحو "قمن الهندات" على ما تقدّم شرحه. فإذا تقدّم الظاهر، كانت النون اسمًا وضميرًا. وإذا تقدّم الفعل، كانت حرفًا مؤذنًا بأنّه لجماعة مؤنّثة، إلَّا أنها إذا اتّصلت بفعل مضارع، أعادته مبنيًا على حاله الأوّل من البناء على السكون، وإن كانت العلّة الموجبة للإعراب، وهي المضارَعة قائمة موجودة، حملًا له على الفعل الماضي من نحو: "جلسْتُ"، و"ضربْتُ". فكما أُسْكن ما قبل الضمير، وهو لام الفعل، كذلك أسكن في المضارع تشبيهًا له به، لأنه فعلٌ كما أنه فعل، وآخِرهُ متحرّكٌ كما أن آخر "فَعَلَ" متحرّك. قال سيبويه (١):وليس ذلك فيها بأبعد إذ كانت هي و"فَعَلَ" شيئًا واحدًا مِن "يَفْعَلُ"، إذ جاز فيها الإعراب حين ضارعت الأسماءَ، وليست بأسماء. يعني أنه ليس حملُ المضارع في تسكين آخِره على الماضي، وهما حقيقة واحدة من جهة الفعليّة، بأبعد من حمل الأفعال المضارعة على الأسماء في الإعراب، وهما حقيقتان مختلفان.

وتفتح هذه النون؛ لأنها نون جمع كما تفتح نون الجمع في قولك: "الزيدون"، و"العمرون". فإذا قلت: "هنّ يَضْرِبْنَ"، كان الفعل في محلّ رفع، وإذا قلت: "لن يَضْرِبْنَ"، كان في موضع نصب، وإذا قلت: "لم يضربن"، كان في محلّ مجزوم، وذلك لأن موجب الإعراب موجود، وذلك لأن المضارعة قائمة، وإنّما وُجد مانعٌ منه، فحُكم على محلّه بالإعراب.

ولا تسقط هذه النون لجزم ولا لنصب كما سقطت تلك النون, لأنها ضمير كالواو في "يضربون"، والألف في "يضربان". فكما لا تسقط الواو والألف هناك، كذلك لا تسقط ها هنا. قال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (٢)، فأثبت النون لأنها ضمير، وليست علامة رفع كالتي في "لم يضربوا"، و"لن يضربوا".


(١) الكتاب ١/ ٢٠.
(٢) البقرة: ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>