للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجه الثاني: أنَّ "أن" المخفّفة أشبهت "أنّ" الثقيلة من وجهين: من جهة اللفظ، ومن جهة المعنى على ما تقدّم. وأمّا "مَا" فإنّها أشبهت من جهة واحدة، وهي كونها مع ما بعدها مصدرًا كما أنَّ تلك كذلك، فلم تستحقّ العملَ من جهة واحدة، على أنّ من العرب من يُلْغِي عمل "أنَّ" تشبيهًا بـ"مَا"، وعلى هذا قرأ بعضهم: {أنّ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ} (١) بالرفع. ومنه قوله [من البسيط]:

٩٦١ - أنَّ تَقْرَآنِ على أسْماءَ وَيْحَكُما ... مني السَّلامَ وأن لا تُشْعِرَا أحدَا

والذي يُلْغِي "أن" عن العمل لمشابهةِ "مَا"، فإنّه لا يُعْمِل "ما" لمشابهة "أن"، لعدم اختصاصها، فاعرفه.

وأمّا "لَنْ" فحرف ناصب عند سيبويه (٢)، وهو نقيض "سوف"، وذلك أن القائل إذا قال: "سوف يقوم زيد"؛ فنفيُ هذا "لن يقومَ زيد". ويجوز أن يتقدّم عليها ما عملتْ فيه من الفعل المنصوب، نحوَ قولك: "زيدًا لن أضربَ" بخلافِ "أن", لأن "أن" وما بعدها مصدر، فلا يتقدّم عليه ما كان في حيّزه، وليس كذلك "لن"، لأنها إنما تنصب لشَبَهها بـ"أنْ". ووجهُ الشبه بينهما اختصاصها بالأفعال ونَقْلها إيّاها إلى المستقبل كما كانت "أن" كذلك.


(١) البقرة: ٢٣٣. وهذه قراءة مجاهد. انظر: البحر المحيط ١٣/ ٢١٣.
٩٦١ - التخريج: البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر ١/ ٣٣٣؛ والإنصاف ٢/ ٥٦٣؛ والجنى الداني ص ٢٢٠؛ وجواهر الأدب ص ١٩٢؛ وخزانة الأدب ٨/ ٤٢٠، ٤٢١، ٤٢٣، ٤٢٤؛ والخصائص ١/ ٣٩٠؛ ورصف المباني ص ١١٣؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢/ ٥٤٩؛ وشرح الأشموني ٣/ ٥٥٣؛ وشرح التصريح ٢/ ٢٣٢؛ وشرح شواهد المغني ١/ ١٠٠؛ ولسان العرب ١٣/ ٣٣ (أنن)؛ ومجالس ثعلب ص ٢٩٠؛ ومغني اللبيب ١/ ٣٠؛ والمنصف ١/ ٢٧٨؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٣٨٠.
الإعراب: "أن": حرف نصب مهمل. "تقرآن": فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والألف: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. "على أسماء": جار ومجرور متعلّقان بـ"تقرآن"، والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها بحسب ما قبلها. "ويحكما": مفعول مطلق، وقيل: مفعول به لفعل محذوف تقديره: "ألزمكما الله ويحًا"، وهو مضاف، و"كما": ضمير متصل مبني في محل جرّ بالإضافة. "منّي": جار ومجرور متعلقان بـ"تقرآن". "السلام": مفعول به لـ"تقرآن"."وأن": الواو: حرف عطف، و"أن": حرف مصدريّ ونصب. "لا": حرف نفي. "تشعرا": فعل مضارع منصوب بحذف النون، والألف: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها معطوف على المصدر المؤول السابق. "أحدًا": مفعول به منصوب بالفتحة.
وجملة " ... ويحكما": اعتراضية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "أن تقرآن" حيث لم تعمل "أن"، تشبيهًا لها بـ"ما" المصدريّة.
(٢) الكتاب ٣/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>