للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه شاذ، وإن صحت الرواية، فهو محمول على أن يكون الخبر محذوفًا، وابتدأ "إذَنْ" بعد تمام الأول بخبره. وساغ حذف الخبر لدلالة ما بعده عليه، كأنه قال: "لا تتركنّي فيهم غريبًا بعيدًا إِني أذِلُّ، إذًا أهلكَ أو أطيرا"، أو يكون شبّه "إذن" هنا بـ "لَنْ" فلم يُلغِها, لأنهما جميعًا من نواصب الأفعال المستقبلة، ويشبّه "إذن" من عوامل الأفعال بأفعال الشك واليقين, لأنها أيضًا تُعْمَل وتُلْغَى، إلَّا أن أفعال الشك، إذا تأخّرت أو توسّطت، يجوز أن تعمل، و"إذن"، إذا توسّطت بين كلامَيْن أحدُهما محتاج إلى الآخر، لم يجز أن تعمل لأنها حرف، والحروف أضعف في العمل من الأفعال، فلذلك جاز في أفعال اليقين والشكّ الإعمال إذا توسّطت، أو تأخرت، ولم يجز إعمال "إذن" في الموضع الذي ذكرناه.

وأمّا "كَيْ" فللعرب فيها مذهبان: أحدهما: أن تكون ناصبة للفعل بنفسها بمنزلةِ "أنْ"، وتكون مع ما بعدها بمنزلةِ اسم، كما كانت "أن" كذلك. والآخر أن تكون حرف جرّ بمنزلة اللام، فينتصب الفعل بعدها بإضمار "أنْ" كما ينتصب بعد اللام. فماذا كانت بمنزلة "أن"، جاز دخول اللام عليها. قال الله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} (١)، و {لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} (٢). وقياسُ "كَيْ" هذه أن تكون بمنزلة "أنْ"، ولولا ذلك، لم يجز دخول اللام عليها، لأنّ حرف الجرّ لا يدخل على مثله، فأمّا قول الشاعر [من الوافر]:

٩٦٤ - فلا واللهِ لا يُلْفَى لِما بي ... ولا لِلِما بهم أبَدًا دَواءُ


= الإعراب. وجملة "أهلك": في محل رفع خبر "إن". وجملة "أطير": معطوفة على جملة "أهلك". والشاهد فيه قوله: "إني إذن أهلك" حيث نصب الفعل المضارع "أهلك" بعد "إذن" مع أنها ليست مصدّرة، بل مسبوقة بـ"إنّي". وقيل: إنها ضرورة، وقيل: خبر "إن" محذوف، و"إن" واقعة في صدر جملة مستأنفة.
(١) الحديد: ٢٣.
(٢) النحل: ٧٠.
٩٦٤ - التخريج: البيت لمسلم بن معبد الوالبي في خزانة الأدب ٢/ ٣٠٨، ٣١٢، ٥/ ١٥٧، ٩/ ٥٢٨، ٥٣٤، ١٠/ ١٩١، ١١/ ٢٦٧، ٢٨٧، ٣٣٠؛ والدرر ٥/ ١٤٧، ٦/ ٥٣، ٢٥٦؛ وشرح شواهد المغني ص ٧٧٣؛ وبلا نسبة في الإنصاف ص ٥٧١؛ والجنى الداني ص ٨٠، ٣٤٥؛ والخصائص ٢/ ٢٨٢؛ ورصف المباني ص ٢٠٢، ٢٤٨، ٢٥٥، ٢٥٩؛ وسر صناعة الإعراب ص ٢٨٢، ٣٣٢؛ وشرح الأشموني ٢/ ٤١٠؛ وشرح التصريح ٢/ ١٣٠، ٢٣٠؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ٥٦؛ والمحتسب ٢/ ٢٥٦؛ ومغني اللبيب ص ١٨١؛ والمقاصد النحوية ٤/ ١٠٢؛ والمقرب ١/ ٣٣٨؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٢٥، ١٥٨.
اللغة: يلفى: يوجد. لما بي: أي للذي عندي من الحقد عليهم. لما بهم: أي للذي عندهم من الحقد أيضًا. دواء علاج.
المعنى: يقول ليس هناك من علاج لما ملأ قلبي وقلوبهم من حقد وضغينة.=

<<  <  ج: ص:  >  >>