للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بـ "حتى"، و"حتى" وما عملت فيه في موضع نصب بالفعل المتقدّم، أو ما هو في حكم الفعل ممّا يتعلق به "حتى".

ويكون النصب بـ"حتى" هذه على وجهين: ضربٌ يكون الفعل الأول سببًا للثاني، فتكون "حتى" بمنزلة "كَي"، وذلك قولك: "أطِعِ اللهَ حتى يُدخِلَك الجنةَ"، و"كلّمته حتى يأمرَ لي بشيء"، فالصَّلاةُ (١) والكلامُ سببان لدخول الجنّة، والأمرِ له بالشيء، ولا يلزم امتداد السبب إلى وجود المسبَّب. والثاني أن لا يكون سببًا للثاني، فيكون التقدير "إلَى أنْ"، وذلك قولك: "سرتُ حتى تطلعَ الشمس"، فهذه لا تكون إلَّا بمعنَى "إلى أن"؛ لأن طلوع الشمس لا يؤدّيه فعلُك، ومثله: "لأنْتَظِرَنَّهُ حتى يَقدَمَ" فالانتظارُ متصل بالقدوم، لأنّ المعنى "إلى أن يقدم"، فكلُّ ما اعتوره هذان المعنيان فالنصب له لازم.

وقول صاحب الكتاب: "هو في إحداهما مستقبلٌ، أو في حكم المستقبل فيُنصَب" يريد أن العوامل الظاهرة لا تعمل في فعل الحال, لأنه يُشْبِه الأسماء لدَوامه، فلم تعمل فيه عوامل الأفعال الظاهرةُ كما لم تعمل في الأسماء، ولا تعمل إلَّا في المستقبل، فإذا رأيت الفعل منصوبًا، كان مستقبلاً، أو في حكم المستقبل. مثالُ الأوّل: "أطِع الله حتى يُدْخِلَك الجنةَ"، فالسببُ والمسبّبُ معًا مستقبلان, لأنّ الطاعة لم تُوجَد بعد، ودخولُ الجنة لم يتحقق بعدُ، وإنما هو منتظَر مترقَّب، وقوله: "كلّمتُه حتى يأمرَ لي بشيء" فالسببُ قد وُجد، والمسبَّب لم يتحقق بعدُ إذ قد تَحقق منه الكلام، والأمرُ بشيء مترقب. ومثالُ الثاني "سرتُ حتى أدخلَها"، فالسببُ والمسبّب جميعًا وإن كانا قد وُجدا، إلَّا أن الأول هو المفعول من أجل وجود الثاني، وهو السبب، وكان مترقّبًا منتظرًا، فهو في حكم المستقبل الآن، فالسببُ في كلا الوجهين مستقبل إما حقيقةً وإمّا حكمًا.

* * *

قال صاحب الكتاب: وترفع إذا كان الدخول يوجد في الحال كأنك قلت: "حتى أنا أدخلها الآن". ومنه قولهم "مرض حتى لا يرجونه"، و"شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه", أو تقضى, إلا أنك تحكي الحال الماضية, وقريء قوله تعالى: {وزلزلوا حتى يقول الرسول " (٢) منصوبًا ومرفوعًا.

* * *


(١) كذا في الطبعتين، والصواب: "فالطاعة".
(٢) البقرة: ٢١٤. وقراءة الفتح، هي قراءة الجمهور وقرأ نافع والكسائي ومجاهد وغيرهم بالرفع.
انظر: البحر المحيط ٢/ ١٤٠؛ والكشاف ١/ ١٣٠؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٢٧؛ ومعجم القراءات القرآنية ١/ ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>