للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: أمّا قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} (١)، فيجوز أن يكون "تكتموا" مجزومًا بالعطف على لفظِ "لا تلبسوا"، فيُشاركه في إعرابه، ويكون النهيُ عن كلّ واحد منهما، وتقديره: ولا تلبسوا الحق بالباطل، ولا تكتموا الحقّ. ويجوز أن يكون منصوبًا، وحذفُ النون من "تكتموا" علامة النصب، ويكون النهي عن الجمع بينهما على حدّ "لا تأكل السمك وتشربَ اللبن": أي لا تجمعْ بينهما.

وجرت هذه المسالةُ يومًا في مجلس قاضي القُضاة بحَلَبَ، فقال أبو الجرْم المَوْصِلي: لا يجوز النصب في الآية, لأنه لو كان منصوبًا، لكان من قبيل "لا تأكل السمك وتشرب اللبن"، وكان مثله في الحكم يجوز تناوُلُ كل واحد منهما كما يجوز ذلك في "لا تأكل السمك وتشرب اللبن"، فقلتُ: يجوز أن يكون منصوبًا ويكون النهي عن الجمع بينهما، ويكون كل واحد منهما مَنهيًّا عنه بدليل آخر. ونحن إنما قلنا في قولهم: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن": إِنه يجوز تناوُل كل واحد منهما, لأنه لا دليل إلَّا هذا، ولو قدّرنا ثَمَّ دليلاً آخر للنهي عن كل واحد منهما منفردًا، لكان كالآية، فانقطع عند ذلك، وأما قول الشاعر [من الطويل]:

ولا تَشْتُمِ المولى وتَبْلُغْ أذاتَهُ ... فإنّكَ إن تَفْعَلْ تُسَفَّهْ وتَجهَلِ (٢)

فالبيت لجرير، والشاهد فيه جزم "تبلغ" لدخوله في النهي، والمعنى: لا تشتمْه، ولا تبلغ أذاتَه، والمولى هنا ابن العمّ.

وتقول: "زُرْني، وأزُورَك" بالنصب، ولا يجوز الجزم؛ لأنه لم يتقدّم ما تحمله عليه؛ لأنّ الذي تقدّم فعلُ أمر مبني على السكون، فلا يصح عطف المضارع المعرب


= المعنى: تعالى لندعو معًا فيبعد صوتنا أكثر، أو: تعالى ندعو معًا, لأنّ الصوتين قد يكونان أبعد مدى.
الإعراب: "فقلت": الفاء: بحسب ما قبلها، و"قلت": فعل ماضٍ، والتاء ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل. "ادعي": فعل أمر مبنيّ على حذف النون لاتصاله بياء المخاطبة، والياء ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل. "وأدعوَ": الواو: للمعيّة، و"أدعو": فعل مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا. والمصدر المؤوّل من "أن أدعو" معطوف على مصدر منتزع ممّا قبله. "إنْ": حرف مشبه بالفعل. "أندى": اسم "إنّ" منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف. ويمكن اعتبارها: خبر مقدّم لـ"إن، مرفوع بالضمّة المقدّرة، واسم "إنّ" المصدر المؤوّل من "أن ينادي". "لصوت": جار ومجرور متعلّقان بـ"أندى". "أن": حرف نصب ومصدريّ. "ينادي": فعل مضارع منصوب. "داعيان": فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنّى.
وجملة "قلت ... ": بحسب ما قبلها. وجملة "ادعي": في محل نصب مفعول به لـ"قلت". وجملة "إنّ أندى لصوت": لا محل لها من الإعراب لأنها استنافيّة. وجملة "أن ينادي داعيان" المؤوّلة بمصدر في محلّ رفع خبر "إن"، والتقدير: "إن أندى" لصوت مناداة داعيين".
والشاهد فيه قوله: "وأدعوَ" حيث نصب الفعل المضارع بـ"أن" مضمرة وجوبًا بعد واو المعيّة.
(١) البقرة: ٤٢.
(٢) تقدم بالرقم ٩٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>