للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله عزّ وجل: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} (١).

* * *

قال الشارح: يريد أن هذه الأشياء التي تجزم على الجواب في الأمر والنهي وأخواتهما، إذا لم تقصد الجواب والجزاء، رفعت. والرفع على أحد ثلاثة أشياء: إمّا الصفة إن كان قبله ما يصح وصفه به؛ وإمّا حالاً إن كان قبله معرفة؛ وإمّا على القطع والاستئناف.

مثالُ الأوّل قولك: "أعْطِني درهمّا أُنْفِقه"، إذا لم تقصد الجزاء، رفعت على الصفة، ومنه قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي} (٢)، فقُرىء بالجزم والرفع، فالجزمُ على الجواب، والرفغ على الصفة، أي: هب لي من لدنك وليا وارثًا. والرفع هنا أحسن من الجزم، وذلك من جهة المعنى، والإعراب؛ أمّا المعنى فلأنه إذا رفع فقد سأل وليا وارثًا؛ لأن من الأولياء من لا يرث. وإذا جزم، كان المعنى إن وهبته لي، ورثني، فكيف يُخْبِر الله سبحانه بما هو أعلمُ به منه. ومثله قوله تعالى: {رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} (٣) بالرفع والجزم.


=الإعراب: "كروا": فعل أمر مبني على حذف النون، لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، والواو: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. "إلى حرّتيكم": جار ومجرور متعلّقان بـ "كرّوا"، وهو مضاف، و"كم": ضمير متصل مبني في محل جرّ بالإضافة. "تعمرونهما": فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. و"هما": ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. "كما": الكاف: حرف جر، و"ما": مصدرية. "تكرّ": فعل مضارع مرفوع. والمصدر المؤول من "ما" والفعل بعدها في محل جرّ بحرف الجرّ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة مفعول مطلق محذوف، والتقدير: "كرّوا كرّا ككرّ البقر". "إلى أوطانها": جار ومجرور متعلقان بـ"تكرّ"، وهو مضاف، و"ها": ضمير متصل مبني في محل جرّ بالإضافة. "البقر": فاعل مرفوع بالضمّة.
وجملة "كرّوا": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تعمرونهما": في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: "تعمرونهما" حيث رفع الفعل إمّا على القطع والاستئناف، وإما على الحال.
(١) طه: ٧٧.
(٢) مريم: ٥ - ٦. وقراءة الرفع هي المثبتة في النص المصحفي، وقرأ الكساثي والأعمش وابن محيصن وغيرهم بالجزم.
انظر: البحر المحيط ٦/ ١٧٤؛ وتفسير الطبري ١٦/ ٣٨؛ وتفسير القرطبي ١١/ ٨١؛ والكشاف٢/ ٥٠٣؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٣١٧؛ ومعجم القراءات القرآنية ٤/ ٣١.
(٣) القصص: ٣٤. وقراءة الرفع هي المثبتة في النص المصحفي، وقرأ الكساني وابن عامر وأبو عمرو وغيرهم بالجزم.
انظر: البحر المحيط ٧/ ١١٨؛ وتفسير الطبري ٢٠/ ٤٨؛ وتفسير القرطبي ١٣/ ٢٨٧؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٣٤١؛ والكشاف ٣/ ١٧٦؛ ومعجم القراءات القرآنية ٥/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>